“مكب” أم مستشفى؟/ الشيخ بكاي
جرني طفل إلى مستشفى الأمومة والطفولة في نواكشوط، وخرجت منه بانطباعات متناقضة تتراوح بين الرضا الكامل، والامتعاض، والشعور بأننا نعهد بأطفالنا وأمهاتهم إلى “مكب” لا يتوفر على الضروري من الشروط.
أثار الفضولَ الصحفيَّ لدي ما ألمس من معاملة حسنة للنزلاء، ورغبة واضحة في القيام بما ينبغي، و في الوقت ذاته عجز يبدو جليا للعيان لم يستطع التحفظ التغطية عليه.
حاولت استدراج مديرة المستشفى الدكتورة فاطمة بنت عبد القادر إلى حديث، لكنها رغم وجهها الطلق وخلقها الحسن مع النزلاء وأهليهم ردتني خائبا مؤكدة في شكل صارم ألا شيء لديها تريد أن تقوله..
ولأني أعتبر هذا المستشفى الأكثر أهمية وحساسية نتيجة لطبيعة من هو معني بهم، أصررت على أن أفهم، مستخدما أسلوبا لا أحبه دائما وهو دخول البيت من نوافذه لا من الباب..
و لهذا تحدثت إلى أطباء وممرضات وعمال في شكل غير رسمي..
كان هناك ما يرى بالعين المجردة، لكن الشروح تزيده وضوحا .. مثلا هذا المقر الذي بني على أساس أن يسكن فيه وزير موريتانيا الأول .. هو إذن منزل أسرة..غرف وقاعات ضيقة في الغالب.. يشعر الزائر والمريض بالاختناق فيها..
يشير الذين تحدثت إليهم إلى وجود جهود مستمرة لجعل المكان يوفر الحد الأدنى من القابلية للاستخدام ، في شكل تحسينات مختلفة..
ويبدي هؤلاء تفاؤلا بقرار اتخذ ببناء مقر في مكان خصص للمستشفى في منطقة المطار.. غير أن طبيبا لا يخفى الخشية من أن يطول الاننتظار..
يقول هذا الطبيب: ” من الأمور العاجلة تخصيص بعض المال للمحافظة على المقر الحالي في شكل مقبول، لكن ينبغي الإسراع في تنفيذ مشروع البناية.. أنا أخشى أن تبقى فكرة في حال عدم الشروع في التنفيذ”.
لا أستطيع أن أخفي إعجابي بطريقة التعامل مع الزوار والنزلاء ، غير أن أمرا أثار استغرابي هو أنني انتظرت كثيرا ممرضة تعيد إبرة إلى مكانها في زند طفل.. تحركت مرات طالبا قدوم ممرضة أو ممرض .. لم يكن هناك رفض ولا استهزاء.. كان الوضع يملي ذلك . إنه الانشغال بأطفال آخرين، وما فسر لي بعد ذلك بأنه عجز في عدد العاملين ..
ومن خلال الحديث مع عدد من الاشخاص داخل المستشفى استطعت أن أعرف أنه إضافة إلى محدودية العدد هناك نقص حاد في الكفاءة.. و عرفت أن الغالبية من الممرضين هنا غير رسمية، تم التعاقد معها من خارج العاملين في وزارة الصحة، وهم في الغالب أقل دربة.. أما الرسميون فإن الغالبية منهم عبارة عن نساء استخدمن وساطات من أجل البقاء في نواكشوط، أو روعيت حالاتهن. وبالتالي فإنه يمكن القول إن هذا المستشفى “مكب” يستقبل نوعيات خاصة من من العاملين، ويكتتب هو نفسه المتعاونين من بين الذين يفشلون في المسابقات التي تنظمها الوزارة..
ويجدر بي هنا التذكير بأنني استخدمت صيغا تمنع التعميم مثل ( معظمهم) و (في الغالب)..فأنا لا أعمم إذن..
ولعل أهم ما يجمع عليه الكل هو تحلي المديرة الدكتورة فاطمة بنت عبد القادر بالصرامة والاستقامة..