هل سيأتي سبتمبر آخر؟/ الشيخ بكاي
عود هذ النص إلى 23سبتمبر 2011 ولست أدري لم أعيد نشره.. ربما هو إحساس غامض بشيء ما…
لم يدركني شهر سبتمبر في نواكشوط على مدى الـ 14 سنة الماضية.. كنت أهرب كل خريف إلى البادية.. أنصب خيمتي على ظهر كثيب ..أنظر على مد البصر فلا أرى إلاخضرة تكسو التلال والوهاد.. أمتطي حصاني أحيانا وأتركه يقطع الفيافي، وأنزل عنه تحت ظل شجرة على ظهر كثيب صقيل.. أستنشق رائحة العشب المبلل، ويداعب جسدي نسيم رقيق لذيذ…
أجد تحت الشجرة سائقي وقد شوى لحما طريا لا تأكل شاته إلا الأشجار والأعشاب الطرية وأعد الشاي الموريتاني أيضا.. أحيانا يقوم بالمهمة مرافقي الراكب على جمل ..
يتحلق حولنا بعض الرعاة، وبعض الباحثين عن نوق ضالة.. أستمتع كثيرا بحديثهم البرئ الذي لا يخرج عن “مياسم الإبل” وآخر أمطار تنزل هنا أو هناك..
وفي الليل.. حينما يكون القمر في السماء تستحم الأرض بالضياء ويبدو المشهد رائعا ألعن المدينة وأهلها والمدنية وزجفها الذي يأتي على كل جميل في هذا الركن من العالم الذي ما زال الإنسان فيه سيدا وإنسانا..
أنا الآن سجين في مدينة لم يبق فيها من أهلها -في شكل دائم- إلا القطط والعجزة والباعوض والملح والعرق…
جربت السجون في موريتانيا وفي إحدى دول الشرق الأوسط، لكن سجن سبتمبر في نواكشوط كان أفظع تلك التجارب.. إنه أفظع من 9 أشهر في السجن العسكري في إحدى الحاميات الموريتانية المعروفة.. وهو أفظع من سجن شرق أوسطي شهير..
لقد اتهمني الرئيس محمد خونة ولد هيدالة (ظلما) بالمشاركة في محاولة لقلب نظام الحكم وبالمشاركة في قيادة تنظيم سري ( تهمة لا أنفيها)، واتهمتني أجهزة الدولة المشرقية بنشر “الأفكار الهدامة (اليسارية)”، لكن تهمتي الآن غير واضحة المعالم تتشابك فيها الكثير من العوامل، ولعل الأصعب فيها أنه لا أمل في النجاة من سبتمبر في العاصمة الموريتانية فقد أوشكت على إكمال محكوميتي فنحن الآن في الـ 23 من هذا الشهر المالح الرطب الكئيب في مدينة كئيبة..
فهل يأتي سبتمبر آخر؟ وفي “أوكاري” المعهودة؟
الأعمار بيدي الله.. ونحن نعيش بالأمل…
#الصورة بعدستي
و #النوق تحمل ميسما أعرفه…