ونطعم النار أحلى ما “صَوَّرناه”..؟/ الشيخ بكاي
ارتكبت في مرحلة عمرية طبعها بعض الغرور أو النزق أو الانغلاق على الذات جريمة حرق “ديوان شعر” كان يمكنني في مراحل لاحقة أن أقطع عنه “الزوائد”، وأقوِّم اعوجاج ماهو في حاجة إلى تقويم، وأنشره. وكان يمكنني على الأقل الابقاء عليه تسجيلا للحظات عمر..
قال لي وقتها الطفل المغرور بداخلي : ” الشعر يفضح أسرار المرء، وبعضه يظهره في حالات ضعف”.
أطعمت النار ذلك الكلام الذي يمكنني على الاقل أن أصفه بالصادق تاركا للنار الحكم بشأن انتسابه للشعر..
والآن أفكر في ارتكاب “جريمة” أخرى..
خلال العشرين سنة الاخيرة التقطت (دون الصور المرتبطة بالمهنة) ما يتجاوز الألفي صورة كلها في تگانت، أو في الطريق إلى تگانت.. وكل واحدة منها تسجيل لقصة.. للحظة عمر جميلة..
صور غاية في الجمال، وتدعو كلها إلى التفاؤل، وحب الحياة، غير أنني لم أعد أتحملها…
أنظُرُ إلى الصورة فينتفض القلب، وينفتح بابُ حزنٍ أليم.. أحبة غيبهم الموت.. وأخرون ظعنوا .. “حلة” لم تعد تلتئم.. خيم، وفرگان اصطادتها قريات البؤس.. رعاة استطابوا فقر المدن، أو امتهنوا الجري وراء”أحلام الذهب”..
كنت أهرب من المدينة فأجدني وسط عالم جميل نظيف بسيط.. أنظر إلى الجهات الاربع فأرى خيمة هنا أو خيما هناك.. والآن يمكن للمرء قضاء يوم كامل يقطع الارض بالسيارة من دون أن يعثر على خيمة..
كنت أركب الجمل، في نزهة، فيركب معي الكثيرون… كنا نعيد حياة “البجوان” في شكل أنيق…
والآن مازلت أحب ركوب الجمال، لكن أهل الجمال يأنفون من ركوبها ، أو هي متعبة لهم.. وينتظرون السيارة.. وحينما أركب لا أجد إلا مرافقي الرسميين من العمال..
أحببت الارض حد العبادة، وأحببت ناسها.. ولست أدري هل نحب الارض بسبب من عرفناهم عليها، أم أننا نحبهم بسبب أنها احتضنتهم..
تخون الارض بموت أشجار، أوتَحَوُّلِ كثيب..، لكنها تظل وفية للمحب..الخائن الخَئُون هو الانسان…
أكره الخيانة والخائنين، فهل في حرق الصور خيانة؟
إنها تذكرني بالناس والارض واللحظات..ولست أدري هل نحب الارض من أجل الناس أم الناس من أجل الارض..
أنا أعرف فقط أني أحب وسأظل…