قبل أعوام أخذتني مهمة صحفية إلى ثلاث ولايات موريتانية كان علي فيها إعداد تحقيقات عن موضوعات مختلفة لمطبوعة في لندن…
في إحدى المحطات جمعت معلومات عن مزار في إحدى مدن الشرق الموريتاني وعن صاحبه وزواره في إطار تحقيق عن المزارات…
في نهاية العمل قلت لنفسي لماذا لا أجرب أن أزوره؟.. وهنا وقعت في صراع داخلي قوي.. فأنا ابن شيخ وسليل أسرة صوفية لعبت الدور الأهم في نشر القادرية (في إحدى نسخها)، وأنا أيضا ناتج تربية حقنتني بكل ما يقوي فيَّ هذا الاتجاه..
غير أنني على صعيد آخر صاحب عقل متمرد، شكاك، رافض لكل ما لا يستوعب..
لم يصل بي عقلي في أي مرحلة من حياتي إلى الشك في الله أو الملائكة والانبياء والقرآن و… لكنه ظل حاضرا “ثقيلا” يتساءل.. يسأل.. يسائل… وهو يعيش صراعا دائما بخصوص الغيبيات، فمادمت مؤمنا بالله والملائكة والكتب المنزلة، والبعث والحساب، والجنة والنار وهي أمور غيبية، فلم لا أقبل أمورا غيبية أخرى؟
جئت إلى الروضة، وبدأت زيارتي، لكن قال لي العقل لا تخدع نفسك ..أنت في قرارة نفسك تعرف أنك لا تثق في أنك تزور، ولا تقتنع بالزيارة، ولا تطمئن إليها.. تنافق من ؟.. الله يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، ويعرف أنك لا تقتنع…كيف إذن تتوسل بجاه ولي إلى الله وأنت تعرف أنك لا تقتنع بالوسيلة حقيقة؟
خرجت شحنة قوية من التربية والخلفية الثقافية الصوفية والأهلية وشرعت تبارز العقل، وكانت النتيجة التحلل من العمل الصحفي لمدة أربعة أيام أقضيها عند القبر.. أنام عنده.. لِمَ كانت أربعة أيام؟ والله لا أدرى..
المهم أنها أربعة أيام يقبل خلالها العقل الزيارة في شكل يجعل قلبي يطمئن، فإذا لم يتحقق ذلك أبقى على موقفي العقلي الرافض..
في الليلة الرابعة استيقظت وأنا مطمئن البال مقتنع تماما بأن أزور… قرأت الفاتحة وأتبعتها بسورة الاخلاص 12 مرة “هدية” أو “صدقة” مني.. لم أعد أتذكر…
لماذا؟.. هل هو التعب من المرابطة عند القبر؟.. هل هو حلم “خيل” إلي خلاله أنه علي قلبي أن يطمئن… لست أدري..المهم أني زرت مطمئنا ..وخرجت…
وما يزال العقل عنيدا يعبد نفسه، و ما يزال القلب يحمل أطياف المتصوفة عبر التاريخ..