لا سلطان لاي أحد على ذاكرتي…/ الشيخ بكاي
ذاكرتي هي أنا.. وأي محاولة للتحكم فيها أعتبرها محاولة اغتيال…
لا سلطان لاي أحد على ذاكرتي…
ذاكرتي تختزن الجميل في الحياة، وتستلذ نُشُورَه، أما القبيح في دنيانا فتطمُره بعيدا تحت جمال الوجود… وهي تواري سوءات المارين بها فلا تكشف من أسرارهم إلا الجميل…
هي ذاكرة مضيافٌٌ تحتفي بالجديد، وتشجعه على أن يودعها أسرارا، ويروي لها حكايات…
يمكنه أن يكتب أو يرسم على جدرانها ماشاء بالحبر الازرق أو الماء.. ويمكنه أيضا أن يكتب بالدم…
وله أن يشيد فيها خيما أو قصورا أو عرائش، وينبت جنات نخيل…
تفتح الذاكرة مخابئها للصحبة الممتعة.. للكلمة الرقيقة، لحفيف السعف، للنسيم يعزف نايه..للعصافير تشدو.. لليل يصغي إلى الكائنات.. للريح تخطب في الفجاج… للقمر يغازل النجوم، ويصغي إلى مناجاة القلوب الكسيرة، وتلك السابحة في جمال الحلم…
هي ذاكرة شكور تذوب عرفانا لكأس شاي في ظل شجرة او كهف أو خيمة…
ذاكرة تحب بجنون، وتحب في صمت أحيانا…
هي تحب في الماضي ما قد تنكره العين في الحاضر…
هي عاشقة مجنونة للامكنة .. وتهيم بالصخور والكهوف، وشجر “التمات”، و”تيشط” ، و”السدر”.. وبالسهول والوديان والآكام والكثبان..وبالمسيل الصغير استحم في مياه المطر…
قد لا يكون في الدنيا عاقل يصدق عشق الانسان للصخر، وأيضا أضعف امرأة عقلا وأقلها استعدادا للخلود في الذاكرة هي التي قد تقارن نفسها بصخرة حينما تقرأ ما كتبت ذات يوم عن “أگراف تنمصه” (الصورة الرابعة):
“… هذه ليست صخرة.. إنها امرأة أحبتني بجنون، وأنا ذبت فيها حبا، وكتبت فيها أصدق حروف العشق..هذه ليست صخرة.. إنهامخزن أسرار.. بين ثناياها بعض مني، وبين صخورها أسرار قلبي.. أكاد الآن أشم عطرا تختزنه.. أكاد أسمع عزفا وهمس نسيم وضحكات غيمة جذلى.. “..
لم يحصل قط أي إشكال وأنا كل خريف أقيم خيمي في الامكنة نفسها التي بنيتها فيها في العام السابق.. أنا أحب اقتفاء أثري واستنطاق الأمكنة.. وأنا متعلق إلى حد غير معقول بالامكنة والناس الذين عرفتهم عن قرب، والاجهزة التي أستخدم، وحتى الطرق التي أمر بها…مثلا قبل طريق تكانت – آدرار كنت وأنا ذاهب إلى الرشيد أمر بأشاريم وتنيامل، والظاية وإگجومن، وأماكن أخرى… يطربني صوت محرك السيارة وهي تغالب الكثبان…
وبعد تعبيد الطريق بين تيجكجه والرشيد لم أعد أشعر بلذة السفر…
#الصورالمنشورة بعدستي:
(رقم 1) : بطحاء أگراف السلك ( أضافوها إلى اسم الاسرة لكثرة ما نزلنا بها خلال عطلتي الخريفية)
رقم (2): أدرگ عند منعطف إلى “وكري” الخاص.. وقد اعتدت المبيت هنا ليلة الوصول إلى تكانت، وليلة الذهاب منها إلى نواكشوط.. لست أدري لماذا.. لقد أصبحت عادة.. وأشعر هنا براحة غريبة..
.رقم (3): بطحاء في “الوكر” تقام فيها الخيم خلال العطلة الشتوية..
.الصورة رقم (4): أكراف تنمصة “المرأة- الصخرة”..
والخلاصة هي البداية: ذاكرتي هي أنا ومن يحاول التحكم فيها يقوم بمحاولة اغتيال…
4