أحيانا يكون أجمل الاحلام أصغرها…/ الشيخ بكاي
نحلم في حياتنا بالكثير من الأمور يتحقق بعضها ويخيب البعض.. وهي تكبر وتتراجع حسب الحالات.. يموت بعضها وبعضها يقاوم الفناء…
حلمت لعشرات السنين بتغيير العالم وتحرير الامة العربية، وتطبيق الاشتراكية، وإقامة الدولة العربية الواحدة (حرية- اشتراكية- وحدة)…
مازلت أتشبث بهذا الحلم وبصلاحيته، وبضرورة الدعوة إلي تحقيقه، لكن ولَّدَ الواقع دونه سيلا من الاحلام الصغيرة، والاهداف التي تشكل الحد الأدنى ، وفي مقدمها منع تطبيع شامل مع الكيان الغاصب،و حلم بألأ يصطاد المطبعون بلدي…
أصبحنا بدل الحلم الاشتراكي الكبير نروض أنفسنا على قبول إصلاحات اجتماعية تخفف من ضغوط الليبرالية الوحشية على كواهل المواطنين…
وحلم الوحدة قائم هو الآخر على المستوى الذهني، لكنه يبدو حينما أفكر فيه ملفوفا في نعوش يضرم النار فيها حكام عرب أيام الحروب على ليبيا وسوريا، وأثناء الحرب على اليمن..
وعلى المستوى الشخصي، لم أحلم بأن أكون رئيسا إلا أيام الثانوية، ومن أجل ذلك فكرت في دخول الجيش، بل إني تقدمت في جهود الابتعاث إلى كلية عسكرية في الخارج، وعدلت عن الامر بعد سهرة مع صديقين أقنعاني بالتراجع عن الاندماج في الجيش. . أحلام مراهق… ولم يكن حلمي من أجلي.. لقد كان من أجل المبادئ…
لم تشكل وظائف الدولة الكبرى طموحا لدي، ولم أحبب قط وظيفة وزير ولاسفير.. ولم تعرض علي لأنني ببساطة لم أسلك الطريق المؤدي إليها…
انصبت أحلامي على الجانب المهني.. ورغم الاحباطات والصدمات الكبيرة التي اعترضت سبيلي خلال شغلي إدارات مهنية في قطاع الاعلام، فقد خدمت بجد وبقناعة، واقتناع..
مررت بالادارات المهنية الاصعب، والاخطر خلال الفترات الاستثنائية، والاقل مردودية مادية:
– إدارة تحرير الوكالة الموريتانية للانباء
-إدارة تحرير جريدة الشعب
-إدارة قطاع الاذاعة في هيئة الاذاعة والتلفزة الموريتانية..
كان لي حلمان:
1- أن أقود مؤسسة صحفية كبرى، ولم يكن للحلم علاقة بالمادة..كانت طموحات مهنية..
2- أن أكون مراسلا كبيرا ذا شأن لوسائل إعلام مهمة..
حاولت تحقيق الحلم الأول بإصدار جريدة “المراقب” التي لم تكن كبيرة، وإن كبُر معناها واشتهرت، ونالت الاحترام.. لكن اضطررت إلى وأدها لاسباب مالية…
تلقيت ثلاثة عروض تمويل:
اثنان من بلدين خليجيين، والثالث من الدولة الموريتانية عبر إحدى وزارات السيادة..
رفضت كل تلك العروض.. كنت فقط على استعداد لنشر إعلانات واضح أنها مدفوعة الثمن انطلاقا من واجب التفريق بين الخبر والاعلان ( وما أزال)…
إذن فشلت في تحقيق ذلك الحلم لنفسي، وظلت الحكومات الموريتانية المتعاقبة إلى اليوم ترفسه أمامي…
ركزت على تحقيق الحلم الثاني، وقد تحقق.. فلأزيد من 27 عاما عملت مراسلا لوسائل إعلام دولية وعربية مهمة، ونُشرت تقاريري وقصصي الاخبارية في صحف أميركية مهمة منها الـ”واشنتن بوست” عبر وكالة “آسوشيتد بريس”…
وإذا كنت تعرضت للكثير من الظلم والاحباطات والصدمات في وسائل الاعلام الموريتانية الرسمية، فقد نلت التقدير والاحترام والاشادة في “بي بي سي”، “آسوشيتد بريس”، “الحياة” و”الوسط”…
لم أحلم قط بأن أكون من الاثرياء.. أصررت دائما على أن أكون من الذين “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف”..
أفاء الله علي المال الكثير (بحساب الصحفيين المهنيين الذين لا يأخذون إلا رواتبهم)، فأنفقته في تحقيق أحلام لا يقرها عبدة القصور والدولار والأوقية… لكنها أحلامي بأن أعيش السعادة كما أفهمها متصالحا مع ذاتي، وماتربيت عليه…
حققت الكثير من أحلامي وخاب الكثير، وتلك طبيعة الحياة…
وأحيانا يكون أجمل الاحلام أصغرها، مثل صورة هذا الحفر التي أنتظرها منذ أكثر من عشرة أعوام…