“أسمح لك كل ما في علم الله” إلا أمرا واحدا…/ الشيخ بكاي
هنا تركنا جسدك بعد أن صعدت روحك الطاهرة -والدي وأخي سيد احمد- إلى بارئها..
ويمكنني ألا أكتب الاسم كاملا (سيد احمد ولد اج)، فنحن هنا حينما نقول : “سيد احمد” يعرف كل السامعين أنه انت… تماما مثل الرشيد الذي نكتفي في ذكره بقول “الواد”…
هنا تركناك أيها الغالي تحرسك الصدقات والصلوات، وعفة اللسان، ونقاء السريرة، وبياض القلب…
إلى هذا المكان شيعناك بالدموع، وبإحساس الفقد الأليم، وبالدعاء…
**** **** ****
مقبرة الرشيد هذه التي ودها الله بك أقامت من دون شك احتفالا بمقدمك.. وكيف لا؟.. كيف لا يحتفل الأجداد بحفيد حافظ على أمجادهم وأضاف إليها الكثير؟...
والغريب أنه يتَمَلَّكُ زائرك إحساس بأنه تم حجز مكانك المناسب ملاصقا لجدك امينوه.. فرغم كثرة الميِّتين وعلاقتهم بهذا الجد، بقي مدفنك خاليا إلى أن أتيت…
**** **** ****
عبر الممرات الضيقة في مقبرة الرشيد، مررت بقبور أحبة كُثْر من بينهم عمتي وجدتي و والدتي التي أعرف أنها احتفت بك كثيرا وأنتما تحت الثرى، كما كانت تفعل حينما كنتما على ظهر دنيانا هذه الخائنة…
بحثت بعيني عن قبر لي قريب من الأحبة، فأنا “هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق”…
قد لاتكون حفرتي ملاصقة لقبر من أحب، لكنها من دون شك موجودة، فالمقابر تسع الجميع…
في الغالب لانفكر على الدوام في موتنا “نحن”، وهذا يمنحنا القدرة على أن نعيش..
وهناك حقيقة هي أن موتي “أنا” أخف ألما من موت من أحب، فالأخيرة واقع مؤلم، بينما الأولى حقيقة مؤجلة إلى إشعار جديد..
رحم الله والدَيَّ ورحمك أيها الأب-الأخ الغالي..
أسمح لك “ما في علم الله” إلا أمرا واحدا هو موتك..
كأنك لاتعرف أي حرقة يتركها موتك في أنفسنا جميعا..
زرت لحرج وتفرست في وجوه سكانه، واستمعت إلى أصواتهم المتهدجة، وسمعت حكايات الليلة الأولى، و أحاديث عويل النساء والأطفال..
جالست “تاجه” و “اهنيدو”… ولقيت “اشعيبيط” وإدومو ولد ماغه…
وجلست مع الحزينات الصابرات المستسلمات لمشيئة الله…
كيف لي أن أسامحك في هذا الرحيل وقد لفني مع أهل الرشيد حزن أليم…
نطرت إلى وجوه النساء والأطفال،و عيون الرجال الذين حولهم رحيلك إلى نساء وأطفال يبكون بحرقة…
تفرست في وجوه الأهالي القادمين من “انيعوي ” و”انتاورطة” ، و”لعوينات” و”لمسيلة” و”التيشوطن”، و”الحصيرة”، وأمعنت النظر في وجوه أهلك القادمين من ولاية العصابه، ومناطق أخرى من موريتانيا…
واستمعت إلى الحرقة في صوات القادمين من “تالمست” و”الشويخ” و”المينان” و “الحويطات” و”النيملان” و”إكفانات” و”واد الخير” و”أكرج”… و”التامورت” وتيجكجه، والقديه”..
وكنت ضمن مستقبلي الوفود القادمة من كل أصقاع موريتانيا…
والدي أخي سيد احمد…!
أنت من دون شك تعرف أنني أحبك، لكنني لن أسامحك في هذا الرحيل…