هل ألقى ترامب فعلاً عود ثقاب في صندوقٍ من البارود باغتياله الجنرال سليماني؟
8 يناير 2020، 00:01 صباحًا
نجحت الولايات المتحدة في اغتيال من تصفه بالرجل الأخطر على مصالحها في المنطقة، لكنها لن تنجح في احتواء وتجنب تداعيات هذا الاغتيال، تصفية الجنرال قاسم سليماني هو يأتي انتصاراً للكيان الصهيوني وزيادةً للعطاءات الأميركية في السلة الصهيونية ، وربما تثبيتاً لترامب أكثر فأكثر في سدة الحكم، ورمياً لمحاولات عزله في سلة المهملات.
الإقدام على اغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، هو كان في سياق معاقبة إيران على دورها الرئيس في جغرافية متعددة من المنطقة، استطاعت تنمية وتطوير جملة من القدرات العسكرية لحلفائها ولمنظمات وحركات بعينها، أزعجت الإسرائيلي كثيراً وبات كبار قادته السابقين ومحلليه ومراكز الدراسات في كل مناسبة يتحدثون بإسهاب عن فشل وتآكل منظومة الردع الإسرائيلية أمام محور يعزز ويطور من قدراته، ويمتلك صبر ” حائك السجاد العجمي” كما وصّفت وسائل إعلام إسرائيلية.
مواجهات سياسية وعسكرية أثبتت فيها إيران قدرتها على التحدي و تصفية وإسقاط جملة من الأوراق والسيناريوهات خلال العقد الماضي وهو مايمكن تلخيصه في أربعة نقاط رئيسة :
– رفض إيران وخلال فترة المفاوضات فيما يتعلق بالملف النووي توسيع المباحثات لتشمل القدرات الصاروخية الإيرانية، وهو كان الأساس في تنامي الغضب لدى واشنطن وحلفائها.
– الدور الكبير الذي لعبه الحشد الشعبي العراقي المدعوم من إيران خلال الأربعة سنوات الأخيرة في التصدي لمشروع داعش في المنطقة، وتحرير أجزاء واسعة من الجغرافية العراقية، ولاسيما الموصل، وتالياً إسقاط الورقة الأهم والأساس في إعادة تشكيل المنطقة وفق الرؤية الأميركية، وماشكله هذا الإجراء من تواصل بري بين دمشق وبغداد وهو كان بمنزلة الخط الأحمر لدى واشنطن وحلفائها.
– صياغة طهران لتحالفات استراتيجية في المنطقة ظهّرت الندية والتحدي في مواجهة التفرد الأميركي في قيادة العالم، وآخرها فشل كل المحاولات الإسرائيلية للضغط على موسكو لجهة إقناع طهران بالحد من نفوذها والانسحاب العسكري من سورية.
– تصدير إيران لتكنولوجيا التصنيع الحربي الصاروخي إلى كل من حزب الله وأنصار الله في اليمن، وإلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إذ باتت أقل الجبهات تسليحاً في اليمن وغزة، عصيّةً على الكسر والاقتلاع.
ماقاله نائب الرئيس الأميركي الأسبق جو بايدن أن ترامب بقرار اغتياله سليماني، هو كمن يلقي عود ثقاب في صندوقٍ من البارود، وكذلك ماأعلنه مساعد أوباما لشؤون الشرق الأوسط روبرت مالي بأن قرار الاغتيال يشكل ضربة لأي أمل بتراجع التصعيد الإقليمي، وأن ترامب الذي وعد بانتهاء زمن الحروب في الشرق الأوسط، وأن أميركا أولاً ،هو لتوه يشعل الحرب عندما أقدم على اغتيال سليماني، كل ذلك هو في محله، فالعقل الإيراني صعب المراس وفي مطارح تمس بسيادته وبرموزه فمن الصعب أن يكون “براغماتياً” يبتلع المهانة والذلة كما العديد من الأنظمة على مستوى المنطقة، من هنا نقرأ ونفهم ماوصفته طهران بالرسائل الصبيانية لواشنطن التي نقلها دبلوماسي عربي رفيع تتضمن جملة من الحوافز والعطاءات الاقتصادية مقابل تهدئة الأجواء.
ترامب الذي يقضي عطلته في منتجعه بفلوريدا وإن شرب المسكرات كثيراً احتفاءً بالإنجاز، فإن عيونه لن تعرف النوم وستبقى تترقب شكل وطبيعة الرد الإيراني، والأهم إذا مافكر برد مباشر على أي تصعيد إيراني، فهنا بتنا نتحدث عن مواجهة مفتوحة من الصعب التكهن بتبعاتها ومدى تصاعد ألسنتها.
إيران اليوم هي على محك الرد، هذا الرد الذي سيكون تصاعدياً ونتيجة لتنسيق عدة جهود بين محور بعينه، من هنا نقرأ ونفهم ماقاله الأمين العام لحزب الله بأن استشهاد سليماني هو مرحلة فاصلة بين مرحلتين، وأن عدم الرد هو تمهيد لاستباحة أميركية للمنطقة، داعياً كل الأطراف المعنية بتقديم المبادرات والجهود لصياغة الردود، لأن إيران لن تطلب من أحد الرد، ومن هنا أيضاً نقرأ أبعاد زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك ولقائه شمخاني وهي زيارة تتجاوز بالتأكيد بعد التعزية والمواساة.
المنطقة في طريقها لتصعيد عسكري كبير، ربما يكون آخر الحروب وربما يحمل معه فرضاً قسرياً لصيغ سياسية جديدة وشكل جديد لوجه المنطقة.
د. محمد بكر- كاتب صحفي فلسطيني والمقال من رأي اليوم