عطاس” لا “زكام”/ الشيخ بكاي
لأن حكومتنا “العتيدة” تعطس دائما وتشَمِّت نفسها عشرات المرات دأبنا على اعتبار أن الأمر لا يعنينا، خصوصا أنها قد لا تكون حمدت الله على صبرنا الذي لا حدود له… ( المقصود هنا هو مفهوم المثل الموريتاني : “يعطس واشمت لراصو” ).
ولأن “العطاس” كثير وجدنا أيضا أنه علينا اعتماد ما رواه أبو هريرة: ” شمت أخاك ثلاثا ، فما زاد ، فهو زكام”.
وقد يقابل بعضنا “زكامها” بتشميت” من نوع:”يهديكم الله ويصلح بالكم”…. وهي تقال للمنافق والكافر…
وأحيانا يكون ” تشميتنا” أقرب إلى الشمات بها حينما نتأكد أن الجميع مدرك أن “عطاسها” حالة مرضية.
واليوم فور نشر بيان لمجلس الوزراء يلغي عقوبة السجن في حق الصحفيين قلت لنفسي: هذه عطسة حقيقية وليست زكاما، حمدنا الله عليها كلنا، ولن يسبقني أحد، فأنا أريد نصيبي من “بركة” التشميت…
وفيما أنا أسأل نفسي أيهما أسرع: قلم الحبر الأزرق؟ أم الكومبيوتر؟ تذكرت شخصا على أن أسبقه، فهو ماهر وسريع في التشميت… إنه محمد محمود ولد ألمين رئيس الحزب الحاكم…
وكان ما خشيت… فقبل أن أخط كلمة واحدة وردني بالبريد الالكتروني بيان من الحزب الذي يقوده الرجل يشعر قارئه أن الحزب صحفي خارج للتو من السجن بعد جلد وقهر.
وقصة ولد ألمين مع “التشميت” خالية من أي عنصر شخصي.. هي قصة حزب حاكم عريق في تراث أسلافه من “حزب الشعب الموريتاني”، إلى “هياكل تهذيب الجماهير”، إلى طيب الذكر ” الحزب الجمهوري” قبل ميلاد “عادل” من رحمه؛ و”عادل” قبل أن يبقر”الاتحاد من أجل الجمهورية” بطنه… هي أحزاب تجعل المهم تافها لكثرة ما طبلت للتوافه من القرارات، والعطسات المزكومة.
ماذا أفعل إذن مع حسن السمت طيب القصد ولد ألمين وبيانه؟…
طلبت من ” مورينيوز” أن ” تسجن” بيانه حتى ” أسمت” الرئيس عزيز(أشمته) . فهو يستحق على قراره الراقي هذا أكثر من دعاء…
وللموريتانيين أن يفخروا بأن لهم صحافة وضعت على طريق التمكين لها أن تكون حرة.
ولكن…. يبقى الكثير… فلا يعني إلغاء مواد قانونية تعاقب الصحفيين بالسجن، أو تعديلها، أن تكون لنا صحافة حرة… فسجن الصحفيين قل خلال الفترة الأخيرة بل يمكن القول إنه منذ فترة – حسب علمي- لم يسجن صحفي بسبب ممارسة المهنة، ومع ذلك يتعرض كثيرون لما هو أحيانا أبشع من السجن.
المطلوب هو عملية تغيير جذري في عقليات القائمين على الشأن العام، والأجهزة الأمنية، لكن أيضا ثورة في عقليات العاملين في الحقل الإعلامي الذين هم في معظمهم دون المستوى ويمارسون مهنة لا تربطهم بها أي صلة.
هناك أمور جوهرية أخرى، منها ضرورة أن تمد الدولة الموريتانية صحافتها بالوسائل في حدود الممكن، ووفق معايير موضوعية تستند إلى العدل، لكن أيضا إلى التمييز “الصارم” بين الصحافة المهنية ومشاريع الارتزاق الوهمية، والنشرات الموسمية وصفحات الانترنيت ” الضامرة” التي تقوم على “القرصنة” و ” القطع ” واللصق”.
ويتطلب الأمر هنا تفعيل وزارة الاتصال ومنحها القدرة والصلاحيات التي تمكنها من لعب دور، أو إلغاءها لأنها في وضعيتها الحالية مقيدة وعاجزة عن أداء أبسط ما هو مطلوب منها.
من أهم ما ميز التعديل الجديد على القانون المنظم للصحافة إلغاء المواد التي تجرم الإساءة إلى رئيس الجمهورية ورؤساء الدول الأجنبية والسفراء المعتمدين في موريتانيا… فهل يعني هذا أن نهين رئيسنا مهما كانت نظرتنا إليه؟
إن الدرجة الراقية التي وصل إليها القانون المنظم لمهنتنا تتطلب أن تكون صحافتنا راقية بالمستوى نفسه، وأن يكون لدينا من روح المدنية احترام من يشغل هذا المنصب، وأتحدث هنا عن شخصه لا أدائه السياسي.
علينا فعلا احترام هذا المنصب ومن يشغله.. وهذا ما ألتزم به…
ورؤساء الدول الأخرى الذين لم يعد القانون يعاقبنا على الإساءة إليهم، ألا ينبغي أن نحترمهم خدمة لمصالح البلد وترجمة لاحترام بلادهم؟ …
هي مسألة صعبة بالنسبة إلى كثيرين… أنا مثلا – في غياب قانون يجرم ذلك – أشعر الآن برغبة جامحة في أن أتحدث عن رؤساء غربيين غير محترمين في رأيي ، منافقين وانتهازيين، يلعبون بنا وبمصالحنا ويسخروننا لمصالحهم، لكنني لا أجرؤ…
هل يليق مثلا أن أصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأنه أرعن وانتهازي، وكان نذلا مع الثورة التونسية، وينتقم الآن من القذافي لرفضه شراء طائرات فرنسية؟… هذا كلام لا يليق، وإن كان في قوله الآن امتحان للتعديلات القانونية الجديدة…
الشيخ بكاي
١٥ مارس ٢٠١٧