في خطاب لمناسبة عيد الاستقلال: الغزواني يدعو إلى بناء دولة لا هشاشة فيها ولا إقصاء.. دولة الحرية والكرامة والتنمية
نص الخطاب:
“بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على النبي الكريم
مواطني الأعزاء،
غدا، نحتفل معا بالذكرى الواحدة والستين لعيد الاستقلال الوطني، عيد العزة والشموخ.
لقد شكل استقلال بلادنا حدثا فاصلا في تاريخ شعبنا الأبي، غرس جذوره أبطال مقاومتنا الوطنية، وسقوها بدماء الشهادة، ومداد اليراع، حتى أثمرت حرية وسيادة، في كنف دولة حديثة مستقلة. فلهم منا، بذلك، دائم العرفان بالجميل ما تجدد تاريخ الثامن والعشرين من نوفمبر.
ولا يسعني هنا، إلا أن أهنئ قواتنا المسلحة، وقوات أمننا، على جهودها الجبارة، في الذب عن استقلال الوطن وسيادته، وصون أمنه واستقراره، موجها التحية، في ذات الوقت، إلى كافة أبناء شعبنا الذين ساهموا، جيلا بعد آخر، في تحرير بلادنا وتأسيس الدولة الموريتانية الحديثة، والدفع بها على طريق التطور والنماء.
إن الوفاء لتضحيات هؤلاء جميعا، يستلزم منا، دوام شحذ الهمم، وشد العزائم في سبيل بناء دولة مزدهرة، ذات تنمية شاملة مستديمة.
وإن المعول عليه في ذلك، بعد الله سبحانه وتعالي، هو، بالدرجة الأولى، شبابنا العزيز.
فأنتم، أيها الشباب، قلب أمتنا النابض. أنتم عماد حاضرها وعدة مستقبلها.
وإن قناعتي لراسخة بأن النهوض ببلدنا، موقوف على نجاحنا في أن نوفر لكم تعليما ذا جودة عالية وتكوينا مهنيا ناجعا وأن نمكنكم من ولوج سوق العمل والمشاركة في صنع القرار على مختلف المستويات، للاستفادة القصوى من طاقاتكم الإبداعية، كفاعل أصيل، عليه معقد الأمل فيما نسعى إلى تحقيقه من تطور وتنمية وازدهار.
أيها المواطنون أيتها المواطنات،
لقد ظلت جهودنا، في الفترة المنصرمة، منصبة على تحقيق العدالة الاجتماعية، بمكافحة الفقر، والهشاشة، والغبن، والإقصاء، وعلى بناء تنمية شاملة مستديمة. وقد تمكنا في هذا الصدد من تحقيق العديد من الإنجازات الهامة.
صحيح، أن وتيرة تنفيذ بعض المشاريع غير مرضية. وصحيح كذلك، أن ثمة نواقص وصعوبات على بعض المستويات. لكننا مدركون لها، وعاكفون على تصحيحها.
وأعدكم، مجددا، أنه سيتم بعون الله، إنجاز ما تعهدنا لكم به، على الرغم من الظروف الاستثنائية التي نعيشها، والعالم، بأسره، منذ أكثر من سنتين.
ولذلك سنضاعف تركيزنا على إرساء حكامة رشيدة، وعلى محاربة كل أشكال الفساد. فالفساد، بطبيعته، مقوض لدعائم التنمية، بهدره موارد الدولة، وتعطيله المشاريع عن تحقيق أهدافها، وإخلاله بالعدالة التوزيعية للثروة، وهتكه قواعد دولة القانون، بما يضعف ثقة الأفراد فيها، ويصيب النسيج الاجتماعي في الصميم.
ونحن لا نريد لمحاربة الفساد أن تكون مجرد شعار، أو أن تتحول، هي نفسها، إلى فساد، بالانتقائية، وتصفية الحسابات، والوقيعة في أعراض الناس دون قرينة أو دليل. بل نريدها عملا مؤسسيا فعالا، تصان به موارد الدولة، وينال به المفسدون جزاءهم طبقا للنصوص السارية المفعول.
ولذا سنضاعف العمل عل تعزيز استقلالية السلطتين، القضائية والتشريعية، وتحديث مدونة الصفقات العمومية، وكذلك على تكثيف نشاط أجهزة الرقابة والتفتيش، بنشر فرقها في كل المؤسسات العمومية والقطاعات الوزارية. وسنرتب، فورا، على التقارير الصادرة عنها كل ما تقتضيه.
كما سنواصل التركيز على إصلاح الإدارة، فلم يعد من المقبول إلا ان تكون إدارتنا أقرب إلى المواطن وأكثر إصغاء له وأسرع في الرد عليه وحل مشاكله. ويجب أن يكون المواطن قادرا على إجراء معاملاته الإدارية، بسلاسة ويسر، والحصول على ما يحتاجه من إيضاحات، واستيفاء ما له من حقوق، بكرامة وسرعة، وبحكم كونه مواطنا لا غير.
أيها المواطنون، أيتها المواطنات،
خلال السنتين المنصرمتين، عملنا بجد على توفير حزام أمان اجتماعي، للطبقات الهشة، من خلال خطط وبرامج طموحة، كيفناها باستمرار مع تطور تداعيات جائحة كوفيد 19، لتعزيز قدرة مواطنينا على الصمود في وجه الجائحة.
وهكذا، مثلا، استفاد أكثر من مليون وثلاثمائة ألف شخص من الدعم الغذائي والنقدي المباشر، وتم دمج مائة ألف أسرة في نظام التحويلات النقدية المباشرة؛ وتوزيع أكثر من ملياري أوقية في إطار عمليات برنامج “تكافل” المختلفة، ومنح تأمين صحي شامل لمائة ألف أسرة فقيرة، أي ما يقدر بستمائة وعشرين ألف شخص.
وفي ذات الوقت، تم العمل على حماية القدرة الشرائية للمواطنين في وجه موجة ارتفاع الأسعار. فهذا الارتفاع تدخل فيه عوامل لا يمكن التحكم فيها ولا التنبؤ بمساراتها كارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكاليف النقل دوليا.
ورغم ذلك سنظل نبذل كل الجهود لحماية القدرة الشرائية للمواطنين عن طريق التزويد المنتظم لحوانيت التموين، والحرص على تنظيم السوق ومنع مختلف أشكال المضاربات والاحتكار من خلال «مركزية الشراء والتموين” التي استحدثت مؤخرا.
ونحن ندرك أن الأمن الغذائي، مسألة سيادية ومصيرية، وأنه لا مناص لنا من تحقيق الاكتفاء الذاتي، على الأقل في المواد الغذائية الأساسية. ولذا تم مؤخرا استصلاح وإعادة تأهيل أكثر من ستة آلاف هكتار من المساحات الزراعية، ويجري استصلاح سبعة آلاف هكتار أخري، ينضاف إلى ذلك ألفي هكتار تم استصلاحها وخمسة عشر ألف هكتار قيد الاستصلاح من قبل القطاع الخاص؛ كما تم بناء ستين سدا وإثنين وعشرين حاجزا مائيا ومد ستمائة وخمسة وخمسين كلم طوليا من السياج وتزويد المزارعين بالمدخلات الزراعية وتقديم الدعم للمتضررين منهم وتوزيع ألف وخمسمائة محراث، ومواصلة برنامج تنمية الواحات، واستصلاح أكثر من ثمانية آلاف هكتار من المساحات المخصصة لزراعة الخضروات.
كما عملنا على تطوير وتنمية ثروتنا الحيوانية. وأنشأنا لذلك قطاعا وزاريا خاصا وأطلقنا برامج واسعة لتشييد المزيد من حظائر تلقيح الحيوانات والمسالخ وأسواق المواشي ووحدات معالجة الألبان، بغية دمج هذا القطاع الهام في المنظومة الاقتصادية وتطوير قيمته المضافة. كما اتخذنا التدابير الاحتياطية لتأمين المنمين من الانعكاسات السلبية لنقص معدل التساقطات المطرية هذه السنة على الغطاء النباتي.
وعملا على امتصاص بطالة الشباب، فقد تم تعزيز التكوينات المهنية بإنشاء مؤسسات تكوينية جديدة، وتنفيذ العديد من التكوينات، وخلق عشرات آلاف فرص العمل، في القطاعين العام والخاص، وتمويل مئات المشاريع للشباب في مختلف الولايات، وإطلاق المرحلة الثانية من برنامج موسع يهدف إلى خلق تسعة آلاف فرصة عمل أخرى بالشراكة مع القطاع الخاص.
وتعزيزا لمشاركة النساء في الحياة النشطة، وإدماجهن في الدورة الاقتصادية، تم تمويل العديد من التعاونيات والمؤسسات الصغيرة لصالح ستة آلاف امرأة، وتم تخصيص خمسة آلاف قطعة أرضية لبناء مساكن اجتماعية لصالح الأسر الهشة.
ولمًا كان عماد التنمية على ترقية المصادر البشرية، عملنا على تعزيز نظامنا التعليمي، بتوسيع العرض ورفع مستوى جودة التعليم، وإدخال تحسينات جوهرية على ظروف المدرسين. وقد شكل إنشاء المجلس الوطني للتهذيب وإطلاق مسار التشاور حول إصلاح النظام التعليمي، منعطفا هاما في سياق الإصلاح الذي ننشده جميعا.
كما عملنا على تطوير منظومتنا الصحية وعلى توفير اللقاحات الضرورية لتطعيم مواطنينا الأكثر عرضة للخطر. فتعززت بذلك قدرتنا على مواجهة الجائحة والتكفل المناسب بالمصابين. وصاحب كل ذلك، إطلاق العديد من المشاريع الكبرى في سبيل تمكين المواطن من النفاذ إلى الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، على نحو جيد ومنتظم.
فقد تم إنجاز مائة وخمسة وأربعين شبكة مياه وحفر مائتين وخمسة وستين بئرا إرتوازيا وتجهيز مائة وخمسة وتسعين بئرا بمعدات الطاقة الشمسية.
كلفت هذه المنشآت المائية ما يناهز أحد عشر مليار أوقية قديمة واستفادت منه أربعمائة وسبعة وأربعون قرية شملت مختلف ولايات الوطن.
كما تم تعزيز منظومة إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية في بلادنا بتوسيع الشبكات في مائة بلدة، ومواصلة تشييد خطوط عالية الجهد لربط نواكشوط بنواذيبو ونواكشوط بازويرات، ونواكشوط بجمهورية السنغال الشقيقة، وإقامة شبكات جهد متوسط وجهد منخفض في المناطق الشرقية والجنوبية.
ويجري العمل على إعادة تنظيم الشركة الموريتانية للكهرباء لاستكمال الفصل بين وظائف الإنتاج والنقل والتوزيع والتسويق، بما يعزز برامج الإنارة وتوسيع وتكثيف الشبكات في المدن وفي المناطق الريفية.
لقد تمت كل هذه الإنجازات والكثير غيرها، مما لم يتسع المقام لذكره، في مناخ سياسي هادئ ومسؤول، حرصنا على توفيره منذ اللحظات الأولي، بالانفتاح على أطياف مشهدنا السياسي والمجتمعي كافة، وعلى التداول معها حول كبريات القضايا الوطنية.
وإن التحضير الجاري لإطلاق تشاور وطني جامع، لا إقصاء فيه لأحد، ولا حظر فيه لموضوع، لمؤشر على أن سنة الانفتاح والتداول المسؤول، بدأت تترسخ تدريجيا، في بلادنا، كنهج أساس للتعاطي مع الشأن العام.
أيها المواطنون أيتها المواطنات،
بالأمس القريب، عولت عليكم في إنجاح رؤيتنا المستقبلية لهذا البلد، فلم تخيبوا لي ظنا. واليوم أعول عليكم، من جديد، لترجمتها واقعا ملموسا، من أجل أن نبني معا، الوطن الذي نريده جميعا: وطن لا هشاشة فيه ولا إقصاء، وطن الحرية، والكرامة، والتنمية الشاملة والمستديمة.
عشتم، وعاشت موريتانيا حرة، آمنة ومزدهرة.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.