عززت القمة الثلاثية في طهران بين زعماء “تركية وروسيا وايران” المخاوف في الغرب وفي إسرائيل من فكرة نشوء تكتل دولي متسق في المصالح والاهداف مناهض للمركزية الغربية في النظام الدولي والسياسات الامريكية. وراقبت إسرائيل بعيون مفتوحة القمة، ومسار تطور العلاقة الغير مسبوق بين موسكو وطهران. تلك العلاقة الصاعدة لها حساباتها في تل ابيب تبدأ من حرية الحركة الجوية للاعتداء على اهداف داخل سورية، وتنتهي بمخاوف تشكيل تكتل مؤثر في السياسات الدولية.
موسكو كانت حتى وقت قريب مترددة في تشكيل تحالف مباشر وعلني مع طهران، لتجنب الضرر بمصالحها الاقتصادية مع الغرب ووضعها المميز في النظام الدولي العام، بالإضافة الى مسار علني وسري لتفاهمات عابرة للدول بينها وبين الولايات المتحدة. الا ان موسكو الان غيرت من هذا النهج بعد حملة العقوبات والعزل التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية عليها بسبب الحرب في أوكرانيا، وباتت تنشد توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي بينها وبين ايران على غرار تلك التي وقعتها طهران مع الصين.
تخلت موسكو عن تحفظات سابقة وذهبت بعيدا نحو تعاون وتبادل عسكري بينها وبين ايران. ويردد الدبلوماسيون الامريكيون ووسائل الاعلام الامريكية هذه الأيام لازمة تقول ان روسيا تسعى للحصول من ايران على طائرات بدون طيار لاستخدامها في وكرانيا. وحذرت الولايات المتحدة، من أن إيران تستعد لتزويد روسيا بمئات الطائرات المسيرة لتعزيز قواتها المسلحة في أوكرانيا. وقال البيت الأبيض إن وفدا روسيا زار مطارا بوسط إيران يومي 8 حزيران/ يونيو و5 تموز/ يوليو؛ لفحص الطائرات المسيرة المعنية.
الخبر يأخذ طابعا هاما جدا في تل ابيب، من حيث الحاجة الروسية لقدرات ايران في هذا المجال، ومن الطبيعي ان روسيا ستفتح باب التعاون العسكري، وستحصل ايران بالمقابل على صناعات عسكرية روسية متطورة تقول إسرائيل ان ايران مصممة على تمريرها للحلفاء في تحالف المقاومة الواسع الانتشار جغرافيا في المنطقة.
وليس سرا الإشارة الى ان روسيا كانت قد طلبت من إسرائيل طائرات بدون طيار تقوم إسرائيل بصناعتها، الا ان الأخيرة رفضت الطلب الروسي، وحتما لدى الكرملين قناعة راسخة ان الإدارة الامريكية شريكة مع تل ابيب في هذا الرفض.
ليس المقابل التقني والعسكري الذي سوف تحصل عليه طهران هو ما يخيف إسرائيل فقط، انما بذات القدر تخشى تل ابيب تقييد روسيا لحركة إسرائيل في الأجواء السورية، وتعزيز حضور ايران في سورية بناء على تطور العلاقة بين الجانبين. ومن ناحية أخرى تمر السفن الإيرانية المحملة بالوقود في البحر المتوسط بكل حرية متجهة الى سورية بحماية وتأمين من البحرية الروسية، وامام انظار الإسرائيليين وعلى مرمى حجر منهم.
تقدمت إيران مؤخرا بطلب للانضمام إلى مجموعة بريكس التجارية للبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وكذلك فعلت كلا من تركية والسعودية ومصر والأرجنتين واندونيسيا. كل ذلك يعني شيئا واحدا هو فشل المحاولات الغربية لعزل روسيا وايران، حيث يمثل الأعضاء الحاليون وليس الجدد أكثر من 40% من سكان العالم، وحوالي 25% من الاقتصاد العالمي. وتقوم المجموعة بجملة من المبادرات أهمها تشكيل نظام مالي ونقدي جدي يكون مفتوحاً لجميع دول العالم، ولا يستخدم الخدمات المصرفية الدولية كأداة سياسية لمهاجمة الدول الأخرى أو الإضرار بمصالحها العليا.
ومع ملاحظة عموما ان الولايات المتحدة ودول الغرب يوما بعد يوم توسع من نطاق الدول في دائرة العقوبات، اغلب تلك العقوبات تندرج في اطار تمنع تلك الدول عن الانصياع للسياسات الغربية او انتهاجها سياسات مستقلة. ومع هذا النهج المضر بالشعوب مباشرة التي تكون عادة المعرضة لتنكيل جراء تلك العقوبات الاجرامية وليس الحكومات، يكون اتساع رقعة الدول المستهدفة فرصة لتعاونها مع بعضها، وتشكيلها اطارا سياسيا اقتصاديا فاعلا، قادرا على التخلص من سطوة الإرادة الامريكية الغربية. واذا ما تضامت تلك الدول المستهدفة بالعزل وتعاونت فيما بينها ووضعت أسس مشتركة لشراكة مستدامة قائمة على المصالح الاقتصادية والامن الغذائي والاتفاق على مبادئ سياسية وقيم إنسانية سامية، فانها حتما لن تكون منعزلة.
ان التغيرات العالمية التي نشهدها تمضي بسرعة قياسية، وهذا يفرض تحديات على الدول والحكومات في عملية إعادة التموضع على المسرح الدولي، وإعادة صياغة للعلاقات الدولية. وليست الحرب في أوكرانيا سوى عرض من اعراض التحول العالمي وليست سببا لها.
ان تشكيل حلف واضح في مناهضته التفرد الأمريكي في القرار العالمي، وفرض أمريكا سياساتها على الدول، وحريتها المطلقة في نبذ او عزل أي دولة عن الاسرة الدولية وفرض الاستجابة لهذا العزل على باقي دول العالم بالاكراه. امر مطلوب ومن مصلحة الدول المتضررة ان لا تقاوم ذلك منفردة، انما في اطار جامع وتجمع واسع يحدد مستقبل شكل النظام الدولي المتوزان القائم على العدالة لكل الشعوب والدول.