بقلم المهندس باسل قس نصر الله
كان الباب مفتوحاً قليلاً، فَدقَقتُهُ برفقٍ ثم أكملتُ فتحه ودخلت.
وكان الوقت ظهراً في بيروت وخارج أوقات العزاء، والغرفة صغيرة وفيها رجل جالس وآخر يصلّي، حَيّيتُ وعَرَّفتُ عن نفسي وأكملت القول بِـ “يَسلم الدين والأيمان” فحيّاني الرجل الجالس وشكرني وقال لي بأن والد الشهيد هو الذي يصلّي أما أنا فَعمّه وهذه أخته.
كان بعض الإعلام اللبناني في العام ٢٠١٢، قد هاجم سورية وأتّهَمها بأنها قتلت مصوٍر قناة الجديد “علي شعبان”، وبدأ هذا الإعلام بحملةٍ على سورية وحَشَدَ الطاقات الإعلامية الهائلة، وهو مصرٌّ على أن إطلاق النار قد حَدَثَ عن عمد من قبل قواتٍ سورية.
أنهى “أبو علي” صلاته ثم قَدِم مُصافحاً، فقلتُ له “تَقبَّل الله” وأجابني “منّا ومنكم صالح ألاعمال”، فقدّمتُ له نفسي وقلتُ له: “إن مفتي سورية د. أحمد حسون أرسلَ لك مصحفاً قد تمَّ طبعه لِذكرى ابنه الشهيد “سارية”، وقال لي، لن يوجد أفضل من كلام الله ليكون رسولاً بين عائلتَيْ شُهَداء”. فأخذَ أبو علي المصحف الكريم المُغلَّف مني وقبّله، ثم جاءت إلينا – على غير المعتاد – “أم علي” فأحنيتّ رأسي وقدّمتُ لها واجب العزاء، فجَلَست مقابلي.
لن اتكلم عمّا دار بيننا من حديث، ولكنني سأنقلُ عدّة فقرات مما قالته هذه الأم العظيمة.
قالت لي ثلاثة جُملٍ مهمة:
- “الله يسامح كل من حاول أن يُتاجر بدمِ ابني”
- “لقد حاولوا توريطي أمام التلفزيون”
- “أنا إبنة المقاومة ونحنُ لا نتّهم أحداً”.
هذه الأم العظيمة من لبنان، العملاقة بكلامها البسيط، القوية بِقوة جرحها، علّمتني معنى أن نتجاوز أنفسنا لمصلحةٍ أعلى منها، أن نسمو على جراحنا لنُضمّد جِراح الوطن.
كم نحن بحاجةٍ إلى عمالقة مثل السيدة “أم علي”، لنتجاوز مشاكلنا التافهة أمام مشاكل الوطن؟
وكم نحن بحاجة إلى ايماننا بالوطن، مثل ايمان “أم علي” بالمقاومة؟
نركض وراء المناصب لاهثين.
نلعب – في هذا الوقت بالذات – ونُتاجر بصفقاتٍ لمصالِحنا.
نتكلّم عن حقوقِ الأقليات والتوزانات، أما هدفنا الحقيقي فهو تحقيق المكاسب الشخصية لنا.
نُقيم الدنيا ولا نُقعدها، لأنه لم يتمّ تمثيلنا في مجلسٍ للشعب أو في الوزارة، ونستخدم الطائفة – من كل المكوّنات – مثل قميص عثمان.
نؤكد بأننا إذا لم نكن موجودين في المناصب فمعنى ذلكَ أن الأمورَ لن تسيرَ بشكلها الصحيح.
وأن هذه المناصب يجب أن تكون لنا ولأبنائنا إلى “يوم يُبعثون”.
المهم أن يكون لنا مكتب وحاجب وكرسي “برّام” ذو محوَر، لكي نستطيع التفكير والخدمة “باللفِّ والدوران” والكلام المعسول.
عيونُنا على المناطق العالية، ونحن أقزام.
فهل يلعبُ الأقزام كرة السلة؟؟؟؟
في الأدبيات الإسلامية قيل: تخيّروا لِنُطفكم فإن العِرق دسّاس.
وفي الإنجيل يقول السيد المسيح: أعمى يقود أعمى، كلاهما الى خراب.
ووووو
…
اللهم اشد اني بلغت