السودان: تسارع عمليات “معقّدة” لإجلاء الأجانب مع تواصل المعارك
أ ف ب
تسارعت الأحد 23 نيسان 2023 عمليات إجلاء الرعايا والدبلوماسيين الأجانب من السودان من قبل دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا، في وقت تتواصل المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من أسبوع.إعلان
وأفاد شهود وكالة فرانس برس أن أصوات إطلاق الرصاص ودوي الانفجارات وتحليق الطيران الحربي تتواصل في الخرطوم، وتطغى الأحد على ما عداها، لاسيما دعوات التهدئة المتكررة والتي جاءت أحدثها الأحد من البابا فرنسيس.
وترافق تسارع إجلاء المواطنين الأجانب، مع تزايد المخاوف على مصير السودانيين متى انتهت هذه العمليات.
ووصلت الأحد الى جيبوتي طائرتين عسكريتين فرنسيتين تحملان زهاء 200 شخص من الرعايا الفرنسيين وجنسيات أخرى جرى إجلاؤهم من السودان، وفق ما أفادت الخارجية الفرنسية.
وأعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الأحد إجلاء جميع مواطنيها الذين طلبوا مغادرة السودان.إعلان
وكان وزير خارجيتها أنطونيو تاياني قد ذكر في وقت سابق الأحد أن الجيش الإيطالي أجلى “نحو 200 شخص بينهم مواطنون سويسريون وأعضاء في السفارة الرسولية”.
وأعلن الجيش الألماني أن طائرة تابعة له توجهت إلى الأردن “تحمل 101 شخصا تم إجلاؤهم”، مضيفا أن إجمالي ثلاث طائرات من طراز إيه-400-إم وصلت إلى السودان لغرض الإجلاء.
أما إسبانيا فقد أجلت نحو 100 شخص على متن طائرة عسكرية، من بينهم 30 إسبانيا، حسب ما أفادت وزارة الخارجية ليل الأحد.
وأفادت وزارة الخارجية المصرية مساء الأحد عن “إجلاء 436 مواطناً من السودان عبر الإجلاء البري بالتنسيق مع السلطات السودانية” الأحد.
وتسببت الاشتباكات منذ 15 نيسان/أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، بمقتل أكثر من 420 شخصا وإصابة 3700 بجروح، ودفعت عشرات الآلاف الى النزوح من مناطق الاشتباكات نحو ولايات أخرى، أو في اتجاه تشاد ومصر.
“متعبين، متوترين”
وأوضحت المصادر الفرنسية أن عمليات الإجلاء “شديدة التعقيد” وقد تمتد ليومين.
وقالت إن من تمّ إجلاؤهم كانوا “متعبين، متوترين، لكنهم كانوا مرتاحين كثيرا لوصولهم الى برّ الأمان”. كما كانوا “منهكين على الصعيد النفسي نظرا لما مرّوا به”، الا أن حالتهم البدنية كانت جيدة نسبيا رغم معاناتهم كسكان الخرطوم، من نقص المواد الغذائية والمياه.
ولم تحدد المصادر الفرنسية جنسيات من تقوم باريس بإجلائهم. الا أن أثينا أوضحت أن من بينهم “مجموعة من المواطنين اليونانيين” تشمل “اثنين مصابين بجروح”، وأكدت هولندا أن عددا من رعاياها كانوا على متن الرحلة.
وأوكلت دول مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، الى قواتها المسلحة انجاز عمليات الإجلاء.
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك انجاز لندن “عملية إجلاء سريعة ومعقدة” لدبلوماسييها وعائلاتهم.
والأحد، أعلنت السويد إرسال زهاء 150 عسكريا لإجلاء دبلوماسيين ورعايا، في حين أكدت النروج إجلاء سفيرها واثنين من الدبلوماسيين.
وأتى ذلك بعد ساعات من تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن أن قوات بلاده “نفّذت عملية” لإخراج موظفين حكوميين أميركيين، طالت أكثر من مئة شخص بينهم دبلوماسيون أجانب.
واستخدمت هذه القوات مروحيات انتقلت من جيبوتي الى إثيوبيا فالخرطوم حيث بقيت في المطار لأقل من ساعة.
إلى ذلك، أعلنت كندا أنها علّقت موقتا نشاطها الدبلوماسي، وأن بعثتها تعمل من “مكان آمن خارج البلاد”.
“العالم” ترك والسودانيون “دون حماية”
وفي حين استخدمت أطراف عدة الإجلاء جوّا، اعتمدت أخرى الخيار البرّي.
وأظهرت لقطات مصوّرة حصلت عليها وكالة فرانس برس قافلة من سيارات رباعية الدفع عائدة للأمم المتحدة، تغادر الخرطوم نحو مدينة بورتسودان بشرق البلاد.
وأفاد مصدر كان ضمن القافلة أن من كانوا فيها يحملون جنسيات دول أوروبية وآسيوية وإفريقية وغيرها.
وتابع المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه “أنا من سيراليون. في الواقع، العالم كله كان على متن هذه القافلة”.
وأعلنت تركيا أنها ستعيد مواطنيها “برا عبر المرور بدولة أخرى”.
وكان الانتقال برّا الى بورتسودان الطريق الذي اعتمدته السعودية في أول عملية إجلاء معلنة للمدنيين السبت، قبل نقلهم عبر البحر الأحمر الى جدّة.
وأوضحت الرياض أنها أخرجت أكثر من 150 شخصا من رعاياها ورعايا 12 دولة على متن سفن تابعة للبحرية السعودية.
وأثارت عمليات الإجلاء مخاوف على مصير السودانيين العالقين وسط القتال.
ويرى الباحث حميد خلف الله أن “المطالبة بممرات إنسانية آمنة لإجلاء مواطنين أجانب من دون المطالبة في الوقت نفسه بوقف الحرب، أمر رهيب”.
ويقول “سيكون للاعبين الدوليين ثقل أقل بعد مغادرة مواطنيهم البلاد”، متوجها إليهم بالقول “لا تتركوا السودانيين من دون حماية”.
وأفاد شهود الأحد عن سماع أصوات معارك وإطلاق نار في الخرطوم وضواحيها، يرافقها تحليق طيران حربي. وتسبّبت الغارات الجوية والقصف المدفعي حتى الآن بإغلاق “72 في المئة من المستشفيات” في مناطق النزاع، وفق لجنة أطباء السودان.
في الشوارع، يمكن رؤية آثار الاقتتال: أعمدة كهربائية على الأرض، محال تجارية محترقة، ودخان يتصاعد من هنا وهناك.
ومن الفاتيكان، اعتبر البابا فرنسيس الأحد أن الوضع “يبقى خطرا في السودان، ولهذا أجدد دعوتي لوقف العنف في أسرع وقت ولاستئناف الحوار”.
وكان طرفا القتال أعلنا الجمعة وقفا لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام لمناسبة عيد الفطر، ثم تبادلا الاتهامات بخرقه.
وكان دقلو المعروف بحميدتي والبرهان حليفين عندما نفذا انقلابا في العام 2021 أطاحا خلاله بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة معهم، من الحكم. لكن الخلافات والصراع على السلطة ما لبثت أن بدأت بينهما وإن بقيت كامنة في فترة أولى.
وتشكّلت قوات الدعم السريع في إقليم دارفور لمساندة قوات الرئيس السابق عمر البشير آنذاك لقمع المتمردين في الإقليم الواقع في غرب السودان. واتهمت بتجاوزات وبانتهاكات وقمع.
وتسيطر قوات الدعم على مطار الخرطوم الذي شهد معارك عنيفة واحترقت فيه طائرات. لكن يصعب التحقّق ممّا حصل فعليا على الأرض ومن يسيطر على ماذا.
وأفاد محامون أن عددا من السجناء تم تحريرهم من سجن واحد على الأقل، بينما أفادت مصادر أخرى عن تعرض سجنين على الأقل لهجمات، منهما سجن كوبر الذي يضم سجناء سياسيين أبرزهم البشير.
ولم يكن في الامكان التحقق من هذه المعطيات من مصادر مستقلة.
العيش في العتمة
ويقول الباحث في “مجموعة الأزمات الدولية” آلان بوزويل “للأسف، كان التركيز والزخم الأساسي لمحاولة وقف إطلاق النار خلال العيد في السودان منصبا على إجلاء الرعايا الأجانب وليس على أعمال الإغاثة الإنسانية أو دبلوماسية السلام”.
في الخرطوم التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، يتملّك الرعب المدنيين داخل منازلهم، في ظل انقطاع شبه تام للكهرباء والمياه.
ويجازف عدد منهم بالخروج للحصول على مواد غذائية أو للفرار من المدينة.
وقال عوض أحمد شريف “جميع الأهالي هنا يعانون من مشكلة المياه”، مضيفا “كما انقطعت عنا الكهرباء، وأعيدت قبل ثلاثة أيام. كنا نعيش في العتمة، وهذا غير طبيعي… ليحمنا الله”.