زفاف في رفح: إرادة الحياة تنتصر على الحرب
عقد مصطفى وأفنان قرانهما محاطين بالأطفال والأقارب وسط الزغاريد في مدرسة تعج بالنازحين في رفح، تأكيدًا لإرادة الحياة على الرغم من الحرب والدمار والموت في غزة.
وارتدت أفنان البالغة من العمر 17 عاماً ثوبًا فلسطينيًا أبيض مطرزًا بالأحمر بمناسبة زواجها من مصطفى وعمره 26 عاماً، وقد ارتدى سترة سوداء بلا أكمام وبنطال جينز.
وجرت مراسم الزفاف على نحو لم يخطر على بال العريسين في فصل دراسي تكدست فيه الملابس، في مدرسة تابعة لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وتعثرت خططهما مع اندلاع الحرب بعد هجوم حركة حماس غير المسبوق داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر الذي خلف نحو 1140 قتيلا غالبيتهم من المدنيين.
وردت إسرائيل بشن حملة قصف مدمرة وعمليات برية في القطاع المحاصر والمكتظ بالسكان، ما أسفر عن سقوط 23843 قتيلا معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة التابعة لحماس.
وتعوّد الفلسطينيون على القصف وأزيز الطائرات والصواريخ والحملات الإسرائيلية على غزة خاصة مع سيطرة حماس على القطاع منذ 2007، ولذلك كانت حياتهم تتعايش مع تطورات الحرب وفترات السلم وإن كانت محدودة.
وقال أيمن شملخ، عم العريس، “طُلب منا أن نُخلي منازلنا” عندما طالت الضربات الأولى مدينة غزة. حدث ذلك قبل أن تبدأ القوات الإسرائيلية عمليتها البرية في 27 أكتوبر بهدف القضاء على حماس وتحرير الرهائن المحتجزين في الأراضي الفلسطينية.
وأضاف شملخ “جئنا إلى رفح” في جنوب القطاع على الحدود مع مصر هرباً من القتال الدائر بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، على غرار عدد كبير من النازحين الذين قدرت الأمم المتحدة عددهم بنحو 1.9 مليون شخص من أصل سكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.
وتابع “كان استقرارنا في المدارس والخيام. دُمر المنزل الذي كان يفترض أن يسكنه العروسان، ومع استمرار الحرب وجدنا أن من الأفضل أن يتزوجا”.
وقال عم العريس النازح من مدينة غزة لفرانس برس “عندنا شهداء وعندهم شهداء وعنا دمار وعندهم دمار لكن يجب ان نعيش ونتعايش”. بينما أكد محمد جبريل والد العروس “نحن شعب يحب الحياة رغم الموت والقتل والدمار”.
وأشار والد العروس إلى أن “التجهيزات المعتادة لحفل الزفاف غير متوفرة” ولا يمكن إقامة عرس تقليدي لكن الملابس متوفرة وإن كانت “نادرة وباهظة الثمن”.
وتمكنت أفنان من الحصول على بعض الملابس، بالإضافة إلى قليل من مستحضرات التجميل وأحمر الشفاه. وبدت زينتها متناقضة مع مشاهد الحرمان والجوع وبرك الماء التي خلّفها المطر والمراحيض التي يضطر المئات من الأشخاص لتقاسمها.
وتحت أنظار حشد تجمع في المدرسة، ركب الزوجان سيارة سوداء توجهت بهما إلى الخيمة التي سيقيمان فيها.
ويعتبر حفل الزفاف فرصة نادرة للفرح في القطاع الذي تزداد معاناة سكانه يوما عن آخر مع استمرار القصف وارتفاع أعداد القتلى والجرحى وعجز المستشفيات عن استيعابهم، وعجزهم هم أنفسهم عن معرفة مصير أحبتهم.
وقالت الأونروا السبت إن الحرب “تلطخ إنسانيتنا المشتركة” مع مرور مئة يوم على النزاع في القطاع المحاصر.
وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني في بيان “إن جسامة الموت، والدمار، والتهجير، والجوع، والخسارة، والحزن في الأيام الـ100 الماضية تلطخ إنسانيتنا المشتركة”.