100 يوم من الجرائم والهزائم / حسين لقرع
دخلت الأحد، حربُ الإبادة التي يشنّها الاحتلال على غزة يومها المائة، من دون أن يحقّق العدوّ ولو هدفا واحدا من أهدافه المعلنة وغير المعلنة، وفي مقدّمتها تحرير الأسرى الصهاينة بالقوة، وتدمير حماس، وإنهاء حكمها للقطاع، وإعادة احتلاله وملئه بالمستوطنات بعد تهجير سكانه إلى سيناء…
بعد مائة يوم من الحرب وتوالي هزائم جيش الاحتلال على أيدي صناديد المقاومة، وتوثيقها بالصورة والصوت يوميًّا، بدأ اليأسُ يدبّ إلى قلوب الصهاينة؛ إذ نشرت صحيفة “معاريف” استطلاعا كشف أنّ 9 بالمائة فقط من المستوطنين يعتقدون أنّ جيشهم بإمكانه تحقيق انتصار في هذه الحرب.. ومعنى هذا ببساطة أنّ 91 بالمائة منهم باتوا يؤمنون بأنّ هزيمة جيشهم مؤكَّدة وأنّه لن يمضي وقتٌ طويل حتى ينسحب من غزة تحت وطأة تعاظم خسائره البشرية والمادية، ويوقف الحرب. من جهتها، تؤكّد “هآرتس” أنّه بعد هذه “الأيام الطويلة” من القتال، فإن الجيش “يراوح مكانه في غزة، وهناك قاعدة في الحروب: عندما تبدأ المراوحة، يبدأ اليأس”، ونبّهت إلى أنّ “أهداف الحرب لا يمكن تحقيقُها بالكامل في ظلّ حكومةٍ عاجزة، ورئيسِها الفاشل المحتال الذي يُجرُّ الآن إلى المحكمة الدولية في لاهاي بعد إدارته معركة ديبلوماسية فاشلة”.
فشلُ الاحتلال في تحقيق أيّ إنجاز على الأرض طيلة 100 يوم، جعله يصعّد الانتقام ضدّ المدنيين ويواصل استهدافهم وارتكاب المجازر بحقّهم، ما جعله يخسر أخلاقيا ويؤلّب شعوب العالم ضدّه، حتى في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ذاتها، وهي الدول الأشدّ تأييدا لجرائم الاحتلال، ما زال الآلافُ يتظاهرون كل نهاية أسبوع للتنديد بهذه الوحشية والدعوة إلى إيقاف الحرب، في حين تحرّكت جنوب إفريقيا لمقاضاة الكيان أمام محكمة العدل الدولية، وقدّمت ملفًّا ثقيلا عن جرائم الإبادة التي ارتكبها طيلة ثلاثة أشهر بحقّ الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والنازحين والطواقم الطبية وغيرها بغزة، فضلا عن محاولات خلق ظروف معيشية تفضي إلى تدمير حياة الفلسطينيين من خلال تجويعهم وهدم البنية التحتية لغزة قصد تحويلها إلى منطقةٍ غير صالحة للحياة، ما يعدّ أيضا جريمة حرب وجريمة إبادة وتطهيرٍ عرقيٍّ يمنعها القانونُ الدولي، وقدّمت أدلّة قويّة يصعب دحضُها، وهو موقفٌ عظيم ومشرّف سيحفظه التاريخُ لجنوب إفريقيا.
وإذا التزمت المحكمة بالموضوعية والحياد، فلن يفلت الاحتلالُ من الإدانة، وسيرتدّ عليه سحرُه؛ إذ كان وراء إقناع شركائه الأوربيين سنة 1948 بفكرة تأسيس محكمة العدل الدولية لمنع تكرار “الهولوكوست” على يد أيِّ بلدٍ عربي أو إسلامي هذه المرّة، قبل أن يجد نفسه اليوم أمام المحكمة ذاتها وبالتهمة نفسها: ارتكاب محرقة بحقّ المدنيين الفلسطينيين، ما يفتح المجال واسعا، بعدها، لمتابعة كبار قادته وضبّاطه أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، وجرائم إبادة، وجرائم ضدّ الإنسانية.
ومهما كانت طبيعة القرار الاحترازي الذي ستُصدره محكمة العدل الدولية قريبا، فإنّ جرَّ الاحتلال أمامها يعدّ انتصارا قانونيا وسياسيا كبيرا أهدته جنوبُ إفريقيا للفلسطينيين، وخاصة سكان غزة الذين يعانون الأمرّين منذ 100 يوم، في ظلّ خذلانٍ عربي وإسلامي واسع ومخز تواصلَ حتى خلال عقد هذه المحاكمة الاستثنائية.
100 يوم من هزائم الاحتلال على كافّة الصُّعد، حتى في الجبهة اللبنانية يتلقّى العدوُّ هناك ضرباتٍ يومية تقرّ صحفٌ عبرية عديدة بأنها مؤلمة، وبأن حزب الله يجرّ الكيان إلى حرب استنزاف ستكلّفه الكثيرَ بشريا وماديا، فضلا عن فرض الحوثيين حصارا على سفنه وسفن حلفائه في باب المندب. وبرغم ذلك، لا يُنتظر أن يوقف رئيسُ وزراء العدوّ الحرب خوفا من المحاكمة والسجن بتهم سابقة بالفساد، وسيواصل الهروب إلى الأمام وارتكاب المذابح بحقّ المدنيين الفلسطينيين، من دون أن تثنيه قراراتُ محكمة العدل الدولية أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو غيرهما، إلى أن تتراكم خسائرُ جيشه فيصبح عاجزا عن القتال ويقرّ نتنياهو بهزيمته ويسحب جيشه.
خلال الانتفاضة الثانية (سبتمبر 2000- أوت 2005) كانت المقاومة بغزّة لا تملك إلا أسلحة بسيطة كالبنادق الرشاشة والعبوات الناسفة، ومع ذلك خاضت معارك ضارية مع جيش الاحتلال حتى أنهكته، وحينما تأكّد رئيس وزراء آنذاك، أرييل شارون، من خسارة الحرب، آثر وضعَ حدّ لخسائر جنوده وسحبهم من غزة ومعهم 8 آلاف مستوطِن. واليوم وقد أصبحت المقاومة تملك صواريخ تضرب تل أبيب وما بعدها، وقذائف “الياسين 105” التي تدمّر الدبابات الأفضل في العالم بكلّ سهولة، وشبكة أنفاق متشعِّبة محصَّنة، فإنّه لا أمل لدى نتنياهو في كسب الحرب، وسيصل إلى النتيجة ذاتها التي وصل إليها شارون في أوت 2005، وسيجثو على ركبتيه في النهاية كما توعّده أبو عبيدة قبل أسابيع.