هل المجتمع العربي مريض؟!
الأزمة الحالية بين قطر وجاراتها الخليجية، ليست إلا آخر عَرَض لحالة مرضية عربية. حالة من التردي والتناقض والتدهور نرجو من الله أن تنتهي بالفرج والشفاء دون ضر أحد.
في نهاية خمسينيات القرن الماضي وعقد الستينيات منه، كان الوجود الاستعماري وآثاره، سواء كانت تبعية محلية له أو تواجدا عسكريا لقواته… من أشد نواقض الاستقلال والوطنية منكرا.
وكانت أنظمة الاستقلال الوطني، تتبارى في إغلاق القواعد العسكرية الأمريكية والأوربية وطرد جنودها ومستشاريها، بل وتأميم الشركات الغربية الكبرى.
وحتى الأنظمة الموصومة بالعمالة والرجعية، كانت تخجل من علاقات الرعاية الغربية الأمريكية وتحرص على إخفاء أي مظهر لها، خشية أو احتراما للرأي العام العربي قبل الرأي العام المحلي!
أما فلسطين، فرغم نزيف جرحها، والإجهاز عليها بتلك الهزيمة المذلة (1967)، فقد ظلت الكلمةَ السواءَ التي لا يتخلف عن داعيها أي تقدمي ولا رجعي ولا حتى عميل.
ظلت فلسطين والكفاح من أجلها ضد الصهاينة المغتصبين عنوانا موحَّدا وموحِّدا لكل العرب؛ قيادات وشعوبا، على اختلاف أنظمتهم وبلدانهم.
بل لقد كانت “إسرائيل” رغم انتصاراتها العسكرية السهلة الهائلة، على وجَل من غضب العرب وعدالة العالم، وتخوفٍ من عواقب جرائمها المتواصلة… فكانت على استعداد لبذل أكثر مكاسبها مقابل أي صِلات أو تفاهم مع العرب، ولو من تحت الطاولة!
**
وفي ظل أنظمة انقلابات عسكرية واستبداد، لا تحسن سوى الشعارات، وأخرى رجعية وراثية لا تحسن سوى الدجل والفساد، هبط مؤشر العمل العربي إلى الأسفل وانحدر نحو الهاوية التي وصلها شظايا يتكسر بعضها على بعض، خالقا أكواما من الركام والقمامة! فانشغلت الأنظمة بالتهارش على السلطة والنفوذ، وكُبلت الشعوب بأصفاد القهر والفقر، وانشغلت إما بالتبتل في محاريب قادتها المزينة أو بالاحتراق في محارقهم الموقدة!!
وفي المقابل أخذت “إسرائيل” تحصد ثمرات خيبة أعدائها، وانتقلت من القزم الخائف المترقب الذي يتكفف الاعتراف ويجامل بعض ضحاياه (داخل فلسطين) إلى “عملاق” تتسلل الأنظمة العربية لواذًا إلى أبوابه العلنية والسرية، طمعا في الحماية والشفاعة… إلى أن وجد هذا العدو أنه في غنى عن الأقنعة، فكشف وجهه القبيح وانتضى سيف جرائمه، ليعلن اليوم، بالرعاية الأمريكية، أن فلسطين كلها أرضه الخالصة، وأن الفلسطينيين مجرد أغراب صائلين لا اعتبار لذِمامهم ولا قيمة لدمائهم…
**
وها قد جاء اليوم الذي بلغت فيه عداوة العرب بعضهم لأقرب بعض، حد شراء التدخل الأجنبي الأمريكي والتنافس المحموم على استضافة وتكريم القواعد العسكرية
الأمريكية والأوربية. لا، بل أصبح قول الأمريكي هو المذهب المقدم حتى لو كان سبا وتهديدا…
ثم يتوجه العرب إلى “إسرائيل” مهطعين، يقولون للصهاينة القتلة “بالفم المليان”: لكم العتبى! ما اعتبرتموه إرهابا نحن نعتبره إرهابا، وما تعتبرونه سلاما نعتبره سلاما… “حماس” ونظيراتها المقاوِمة حركات إرهابية، بل إرهابية جدا. هاكم! سنكون يدا واحدة عليها من الآن، وننتظر مرئياتكم بشأن الضفة وسلطتها العباسية!!
أعداء الأمة العربية الآن على وشك الإفصاح عن المطلوب الأساسي: تريدون تعريف الإرهاب: هو إسلامكم نفسه، هو أنتم!
لم يأت وباء الإرهاب العربي من أجسام صحيحة ولا سياسات صحيحة…
إنه نتيجة، ولكنها نتيجة غير معترف بها… لا يسأل العرب أنفسهم إلى أين نندفع.
إنهم اليوم كمن اشتعلت النار في ثيابه فانطلق مسرعا لا يلوي على شيء، هاربا من النار، والنار تزداد اشتعالا بسرعته لتأكل جسمه وترديه.
يبقى الأمل في الله، وفي هذه الشعوب التي تعاني الصرع الحضاري، ولكنها قد تهب هبة أخرى… حين تدرك أنه ليس من العدالة ولا من المنطق أن تهلك وتدمر ديارها من أجل إبقاء الحاكم الفرد على رؤوسها المنتوفة، ولا من العدل أن يسجن ويكون من الصاغرين، من تند منه نقرة على زر استحسان جملة معارِضة في وسائل الاتصال التي وسعت اليوم حريتُها وانتشارُها الحيوانات بعد البشر!!
محمد محفوظ بن أحمد