لجنة حكومية تجهل التقرير المرفوع باسمها … ! / يحي بن بيبه
أن يرفع تقرير باسم لجنة فنية حكومية،إلى لجنة وزارية، يرأسها الوزير الأول، وتعتمده هذه اللجنة الوزارية، دون أن تطلع عليه اللجنة الفنية، التي يفترض أن تكون أعدته أصلا، فذلك ما يصعب تصديقه، وهو أمر يؤكد أن وراء الأكمة ما وراءها…!
على كل حال، واجبنا هو عرض ما جرى كما هو، ومن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. وما كنا لائمين من يكفرون بهذا الحديث الغريب، فهو صعب التصديق. وما كنا باخعين أنفسنا على آثارهم، ليؤمنوا به أسفا.
قبل ما يقرب من عام، شكل الوزير الأول لجنة فنية برئاسة مستشاره للقطاع الإنتاجي، عهد إليها بتقديم اقتراحات ملموسة للحكومة ،حول سبل رفع تنافسية الأرز الموريتاني، أو بعبارة أوضح، حول السياسات الواجب اتباعها للنهوض بزراعة الأرز المحلي. وهو ما يعني أن هذه اللجنة تعتبر أعلى ذراع فنية للحكومة.
ضمت اللجنة ممثلين للمزارعين، والمصنعين، بالإضافة إلى مستشارين و مسئولين رفيعين من القطاعات المعنية، كوزارات:الزراعة والمالية والتجارة … الخ
وقد جاء تشكيل اللجنة منعشا لبعض الآمال في هذا القطاع المنكوب، الذي اتسمت أجواؤه بالكآبة واليأس، منذ رفعت الدولة يدها عنه قبل سنتين، متنكرة لواجبها اتجاه المحصول الوطني، ومستبدلة الزراعة على أمواج الأثير بالزراعة في شمامه.
وكان من اللافت في هذه اللجنة، تعيين اثنين من أكثر المزارعين استقلالية في نقدهم للسياسات الحكومية في القطاع، وأشدهم بعدا عن قوافل التملق، وكتائب المداحين،وهو ما اعتبر انفتاحا حكوميا محمودا على الرأي الآخر، ورغبة في التوصل إلى نتائج غير معلبة.
كان كاتب هذه السطور احد أربعة ممثلين للمزارعين في اللجنة.
ورغبة منا في التعبير عن حسن النية، وتهيئة الأجواء الملائمة لنجاح اعمالها، اعتبرناها المنبر الأساسي لطرح ما لدينا من أفكارقد تفيد المجتمع ، من خلال النهوض بهذا القطاع ، ومفضلين الصوم عن الكتابة ، رغم ما يعنيه ذلك من إضعاف لعلاقتنا بقرائنا الاعزاء، الذين كانوا يتابعون، على ما يبدو، بشغف سلسلة المقالات التي كنا ننشرها لاطلاعهم على واقع الزراعة في بلادنا.
وهكذا بدأت اللجنة سلسلة اجتماعات مطولة ، بمباني الوزارة الأولى. وهي اجتماعات لم تكن تنقصها الصراحة في الطرح، ولا الحكمة في إدارة الجلسات.
وفيالأخيرأعد المستشارون الحكوميون مسودة أوليةلتقرير باسم اللجنة، كان من المتفق عليه أن يرسل بالبريد الالكتروني إلىأعضاء اللجنة، قبل اجتماعها المخصص لمناقشته.
شخصيا لم أتلق أي تقرير بالبريد ولا بغيره. وعند اجتماع اللجنة قيل لي “إن الخطأ من البريد الالكتروني ” ..!
تجاوزت الأمر، وطلبت نسخة ورقية من التقرير،فيأثناء الاجتماع. لكن قيل لي إنه لا توجد إلا النسخة التي ستقرأ على اللجنة..!
تظاهرت بالغباء، واكتفيت بالتزام قدم لي بأن النسخة سترسل لي ” من جديد ” بالبريد الالكتروني.
المهمأن اللجنة دخلت في مداولاتها، وكانت مسودة التقرير مليئة بالثغرات والنواقص، التي استمرت مناقشاتها من الزوال،إلى ما قبيل غروب الشمس. وانفض الاجتماع باتفاق على أن يكتب المستشارون التقرير النهائي، آخذين في الاعتبار نتائج مداولات ذلك اليوم، ثم يرسلونه إلى أعضاء اللجنة بالبريد الالكتروني.
مرةأخرى لم يصلني أي تقرير، لا بالبريد ولا بغيره.وبعد أسابيع استدعينا إلى اجتماع للجنة ظننت انه لمناقشة التقرير النهائي واعتماده.
وفي بداية الاجتماع، ذكرت بعدم وصول نسخة التقرير ، فكان الرد دعابة أريد لها ان تخرج الحديث عن صرامة الجدية.
لكن المفاجأة الأكبرهي إبلاغناأن الهدف من الاجتماع، هو إعلامناأن اللجة الوزارية، برئاسة الوزير الأول وافـقت على “تقريرنا”بالكامل ..!
” تقريرنا؟ ” أم” تقريرهم؟”.
قضيت فترة بعد ذلك أحاول الحصول على نسخة من التقرير النهائي الذي ” رفعناه” إلى اللجنة الوزارية، لأعرف مدى الضرر الذي الحقه بالقطاع.
وفي النهاية عرفت أنه أريد لنا أن نكون “شاهد ما شاف ش حاجه” كما يقول المثل المصري، أو أن نلعب دور “المحلل” في تقرير من الحكومة إلى الحكومة، يراد له ألا يتضمنإلا ما تحبه الحكومة .لقد عادت حليمة إلى عادتها القديمة.ورب ضارة نافعة .
وهكذا قدمت استقالة خطية إلى رئيس اللجنة ، لأصبح من الناحية الأخلاقية أكثر حرية، في تأدية الواجب نحو النخبة الوطنية، والرأي العام ، خاصة أنه مضى على إنشاء هذه اللجنة، ما يقرب من عام، دون أن تحرك الحكومة أي ساكن،في التصدي لمشاكل الزراعة الكبرى، كالتسويق والتمويل والتأمين، وهو ما جعل المزارعين يعتقدون أن ما تقوم به الحكومة هو مجرد ” شراء للوقت “.وهذا ما دفع زميلي في اللجنة الحسن ولد الطالب إلى الانسحاب منها قبلي، دون إشعار رسمي، لأنه اعتبرها” مضيعة للوقت”.
فإلى أين تسير حكومتنا بهذا القطاع الاستراتيجي ؟!
لقد تعلمت من التجربة المريرة، في لجنة الأرز الحكومية هذه، ومن الصدى الواسع الذي وجدته لدى نخبتنا الوطنية، سلسلة المقالات التي نشرتها لإطلاعها على وضع القطاع الزراعي ، الذي ظهر أنها كانت تجهله جهلا مطبقا، تعلمت أن الطريق إلى التأثير ايجابيا على السياسات الحكومية، يمر عبر الرأيالعام ، لا عبر الحوار مع حرس قديم مازال يعض بالنواجذ على أساليب كنا نعتقد أننا تجاوزناها ، مع الحزب الواحد ، وهياكل تهذيب الجماهير.
ولا يراودني شك في أن طريق إعدادالرأي العام ، طريق طويل ، لا يأتي أكله إلا بشكل تراكمي، لكنه رهان مضمون ، لمن ملك ناصية الحقائق ، وأوتي القدرة على توصيلها ، مسلحا بنبل الهدف والإخلاص في النية ، وإلا فكيف سقط أقوى رجل في العالم ، ملتقى الستينات والسبعينات من القرن الماضي، الرئيس الأمريكي رتشارد نيكسون، ووجد نفسه على أبواب السجن لولا عفو خلفه عنه ؟ أليستالآثار التراكمية لمقالة لصحفي في الواشنطن بوست هي التي أخرجته من البيت الأبيض خائفا يترقب؟
وحتى لو اعتبرنا الرهان على الرأي العام غير مضمون، فما الذي تركته أمامنا حكومتنا لنراهن عليه؟
كلا ، لا وزر ..!
77 تعليقات