حشد المعارضة.. “طواف إفاضة” ثم “تحلل” وترك الساحة للنظام
انتهت منذ لحظات آخر “مناسك” المعارضة لموسم 2016 / 2017 ، بتأدية “طواف الإفاضة” بين عدد من مناطق نواكشوط، و ساحة جامع بن عباس؛ معلنة بذلك “التحلل” ، وتاركة الساحة للنظام ليلعب فيها منفردا، كما تفعل دائما..
يرى زعماء المعارضة أن أفضل الخيارات المتاحة لهم حاليا لإسقاط التعديلات الدستورية هو استعراض “العضلات” وحشد “الأنصار” في شوارع نواكشوط ، ثم الخلود إلى الراحة والنوم في يوم الاستفتاء؛ وذلك بحجة أنهم لا يريدون أن “يشرعوا” لرئيس النظام تصرفاته الأحادية.. وهو رأي كان يمكن أن يكون صائبا لو لم يكن سبق تجريبه أكثر من مرة، وسقط في جميع الاختبارات..
سنحاول “تكبير” الصورة علها تتضح أكثر؛ فمن مساوئ الديمقراطية، وهي كثيرة، أن الانتخابات تتم بمن حضر، ولا تؤثر نسبة المشاركة على صحتها ولا على النتيجة؛ فانتخابات نسبة المشاركة فيها 25% تكون مساوية في المحصلة النهائية لأخرى نسبة المشاركة فيها 85%، وبالتالي فإن الاستفتاء على التعديلات الدستورية سينجح حتى لو لم يشارك فيه إلا الرئيس وبطانته.
و بغض النظر عن مدى “شرعية” الدعوة للاستفتاء في الأصل، إلا أنه أصبح واقعا لا محيد عنه، وكان على المعارضة المشاركة فيه وإسقاطه عبر صناديق الاقتراع، كما تنص على ذلك مبادئ الديمقراطية.. لكن من الواضح أن “الزعماء” لا يثقون في شعبيتهم، وحق لهم ذلك، وبالتالي يفضلون “الاختباء ” خلف الشعارات الحماسية ، والتفاخر ب “حشود” أكثر من نصفها جاء به الفضول ، والملل وأشياء أخرى يعرفها البعض..
معركتنا معركة وعي ، ونحن بحاجة إلى تكوين رأي عام وطني، يقوم على أن الولاء للوطن وليس للنظام ولا للقبيلة ولا لشيخ الطريقة، وهذا يحتاج جهدا كبيرا وعملا مضنيا، وطول نفس، لا يبدو أن البعض مستعد له حاليا على الأقل..
تخيلوا أن جهد ثلاثة أشهر من التنظير وتوعية المواطنين حول فساد النظام، ونهبه لموارد البلاد ، يمكن أن تنسفه أربع كلمات لوزير أو مسؤول حكومي، ذلك أن مختلف الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد خلقت ما يمكن وصفه ب “رأي عام” لدى الشعب بأن “الدولة ما تعارض” ، والحكومة أدرى بمصالح الشعب.. وربما تكون تلك من مخلفات الاستعمار التي أعجبت الأنظمة وحافظت عليها، وتعهدتها بالرعاية..
ومن الضروريات الملحة أيضا العمل على تفكيك تحالف “النظام ، زعماء القبائل وشيوخ الطرق”، وذلك عن طريق نشر الوعي بين العامة، وفضح تصرفات هذا الثلاثي الرهيب، الذي يعرقل مسيرتنا.. وهذا الأمر يحتاج شجاعة، وصراحة مع النفس، ومعركة طويلة تدور رحاها في مدن الداخل والأرياف، فنصف الشعب يعيش هناك، ولم تبلغه “رسالة” المعارضة، ولا محاضرات المثقفين.. والمثقفون بالمناسبة جزء من مأساتنا للأسف بسبب سلبيتهم..
معركة بناء الوعي صعبة، وتحتاج طول نفس؛ ومن دون تغيير العقليات سنظل نراوح مكاننا ؛ لذلك على زعماء المعارضة والشباب والمثقفين خوض المعركة والمصابرة فيها، لا أن يبحثوا عن “ثمار” جاهزة دون أن “يبذروا” حبة واحدة..