ميشيل حنا الحاج: الثورة الشيوعية في الذكرى المائوية لانطلاقها
12 أغسطس 2017، 12:52 مساءً
مائة عام مضت وانقضتعلى انطلاق الثورة الشيوعية الماركسية التي واجهت نكسة في عامها الرابع والسبعين اثر قيام “يلتسين”، مستفيدا من حالة الفساد التي مارستها بعض القيادات في المكتب السياسي وفي مواقع أخرى، بتوجيه طعنة للاتحاد السوفياتي تسببت في تفككه، وفي ابتعاد بعض الدول خصوصا في اوروبا الشرقية وربما في غيرها، عن النهج الاشتراكي .
واعتقد البعض أن الشيوعية قد انتهت وانتقلت الى رحمة الله بعد هذه النكسة التي اصيبت بها في قاعدة انطلاقها وهي روسيا القيصرية ، مع انها على أرض الواقع لم تمت مع وفاة الاتحاد السوفياتيوقد لا تموت مستقبلا بهذه السرعة أو السهولة. فاذا كان الاتحاد السوفياتي قد مات،واختفى فيهالنهج الشيوعي الاشتراكي،فان ذلك لا يعني بالضرورة وفاة الفكر الشيوعي الاشتراكي الذي ما زال قائما وحيا في كوبا وفيتنام ولاوس والصين وكوريا الشمالية وصربيا وفنزويلا وغيرها. كما أنه بدأ يزهر في بعض دول أميركا الجنوبية واللاتينية، فهذه حقيقة مرجحة ولا وينبغي أن يهملها حتى المعادون للفكر الماركسي.
واذا أجرينا تقييما للسكان والشعوب التي تعيش في كنف النظام الشيوعي الماركسي الاشتراكي، مقارنة بأولئك الذين يعيشون في كنف نظام رأسمالي، لا بد أن نلاحظ أن ثلث، بل ربما نصف سكان العالم تقريبا، يعيشون في كنف نظام اشتراكي، آخذين بعين الاعتبار أن سكان الصين وحدها هو مليار ونصف المليار من السكان.
ولا بد أن نلاحظ بأن الدول التي حافظت على النظام الاشتراكي فيها، هي الدول التي بلغت مرحلة النظام الاشتراكي عبر الثورات الشعبية الناجحة، ومن أمثالها كوبا وفيتنام والصين، عكس الدول التي مارست النظام الاشتراكي نتيجةاحتلال دولة أخرى لهافرضت النظام الماركسي عليها. والمقصود بذلك الاتحاد السوفياتي الذي سيطر على دول أوروبا الشرقية نتيجة الحرب العالمية الثانية. ومن تلك الدول ألمانيا الشرقية ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا ودول أخرى في شرق أوروبا.
واذا كان النظام الماركسي الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي قد انقضى رغم بلوغه السلطة عبر ثورة شعبية عارمة على النظام القيصري، فان ذلك كان نتيجة تآمر وضغوطات أميركية وأوروبية مكثفة عليه، تسببت بعد تفاعلها مع مشاكل داخليةومنها بعض الفساد الذي مس القيادات في السلطة… الى تفككه وانهياره انهيارا تاما، مما دفع البعض للتفاؤل، بل وللاعتقاد بأن الفكر الشيوعي الماركسي ذاته، قد انتهى وقضى نحبه، دون التمييز بين انقضاء النظام السوفياتي المعتنق للماركسية،وانقضاء الفكر الشيوعي ذاته، بدليل بقائه حيا في دول تضم نصف سكان الكرة الأرضية تقريبا.
فالماركسيةنأوروبيةأوروبيةوالشيوعية فكر تقدمي راق، وهو فكر لعالم المستقبل، للغدولحياة أفضل للانسان كما يعتقد البعض، خلافا للفكر الرأسمالي الذي كل همه حماية ممتلكات الأثرياء من ثروة وعقار، الى درجة تأذن للمالك باطلاق النار على كل من ينتهك حرمة ممتلكاته حتى لو انتهكها بطريق الخطأ، وذلك خلافا للفكر الشيوعي الذي نه ربما نه قد انطلقأ كل همه تحقيق العدالة وحماية الانسان بالدرجة الأولى، وليس حماية ممتلكاته قبل كل شيء، لكون الممتلكات الفردية في هذا النظام، غير موجودة أصلا، خاصة بالشكل والحجم المعروف في الأنظمة الرأسمالية التي تقدس ممتلكات الفرد، أأ كثر كثر كثر من تقديسها واحترامها للفرد ذاته…للانسان ذاته.
ولا بد من تكرار القول بأن الفكر الشيوعي الذي يرى البعض أنه قد ولد ولادة مبكرة، وكان يفضل له أن ينتظر بضع عقود وربما قرون ينطلق بعدها،.. هو فكر انساني مرشح لأن يكون ممتدا في الزمن وقابلا للانتشار، تماما كالفكر المسيحي الذي بقي حيا رغم كل الاضطهاد الذي واجهه على مدى أربعمائة عام على يد الامبراطورية الرومانية وغيرها ، لكن استقر له الأمر بعدها ولو الى حد ما. فكلا الفكرين هما فكران انسانيان، عني كل منهما بالعدالة والمساواة بين البشر، وبين الانسان وأخيه الانسان.
فعبارة “اعطنا خبزنا كفاف يومنا” في الصلوات المسيحية اليومية، تشابه كثيرا “لكل حسب حاجته” في المفهوم الماركسي. وكذلك قيام المسيح (عيسى ابن مريم) بمباركة بضع سمكات لتتحول الى طعام يشبع آلاف الحضور القادمين للاستماع الى عظته، انما فيه تلميح واضح بأن الادارة الحكيمة تعنى بتوزيع المنتوج والثروة بعدالة ومساواة على الجميع، وليس على افراد محددين كل همهم أن يكتنزوا الثروات ولو على حساب جوع الآخرين.
الفكر الماركسي الشيوعي اذن، هو من حيث المبدأ فكر انساني يعنى بحماية الانسان وليس بحماية ثروته، تماما كالمسيحية التي عنيت كثيرا بالانسان، ولذا عاشت طويلا… ومثلها كما يرجح البعض، سيعيش الفكر الماركسي الشيوعي طويلا، لكونه فكرا جاء لحماية الانسان وليس لاستغلاله، والفكر عندما يكون انسانيا في نهجه ومضمونه، لا بد أن يعيش طويلا وقد لا يموت أأبدا، وبالتالي لا يجوز التهليل طويلا لسقوط الماركسية في الاتحاد السوفياتي، فالفكر الماركسي قد وجد ليعم العالم مستقبلا كما يتوقع مفكروه،وليس ليقتصر وجوده على دولة واحدة كان اسمهاالاتحاد السوفياتي.
فمن كان من مريدي الاتحاد السوفياتي، فان الاتحاد السوفياتي قد مات وانقضى، ومن كان من مريدي الماركسية والفكر الشيوعي الذي انتصر في ثورة اوكتوبر عام 1917، فان هذا الفكر الذي بلغ الآن الذكرى المائوية لانتصاره، باق وقد لا يموت قريباـ كما يرى مناصروه..بل ربما قد لا يموت ابدا الا اذا جوبه بفكر مقابل يفوقه في التوجه نحو حماية الانسان وحقه في الحياة، وليس حقه فحسب في جني الثروة وفي حمايتها بأي ثمن كان، حتى ولو بلغ الثمن السير على جثث واجساد الآخرين.