“هجوم وغادوغو”.. قراءة في احتمالات التبني … / محمد محمود أبو المعالي
نواكشوط – مورينيوز- أكثر من أربع وعشرين ساعة مرت على الهجوم الذي استهدف المطعم التركي في واغادوغو وراح ضحيته 18 شخصا حسب التصريحات الرسمية، أغلبهم مسلمون، دون أن تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عنه، وهو تأخر في التبني يستدعي في حد ذاته قراءة تحليلية، كما يستدعيها الحدث نفسه.
صحيح أن أي متابع لأنشطة الجماعات الجهادية في منطقة الساحل والصحراء سيتبادر إلى ذهنه فور الإعلان عن العملية، احتمال مسؤولية “جماعة المرابطون” بقيادة المختار بلمختار، والتي هي اليوم جزء من “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في مالي بقيادة إياد أغ غالي، عن تلك العملية، نظرا لقيام “المرابطون” بعمليات مماثلة سابقا استهدفت عددا من الفنادق والمنتجعات السياحية التي يرتادها الغربيون في بامكو وسيفاري ووغادغو، وكراند بسام بكوت ديفورا،
لكن اعتبارات أخرى واكبت هذه العملية وشابت تنفيذها، تجعل القارئ للحدث يتريث قبل تأكيد هذا الاحتمال أو نفيه، وأول تلك الاعتبارات المستجدة هو الهدف في حد ذاته، فاختيار مطعم على الشارع العام تتوافد إليه الناس من مختلف المستويات والجنسيات، وتتغير حركة رواده وزواره كل عشر دقائق أو أقل، وتتعاظم فيه إمكانية إصابة مواطنين عاديين أو مسلمين أو أجانب لا علاقة لهم بالغرب ولا بالحرب على الإرهاب، أكثر من احتمال إصابة غيرهم من الأهداف المحتلمة للتنظيم، أمر لم يكن صفة مميزة لهجمات التنظيم السابقة، وهو ما يمكن تفسيره بكون المسؤولين عن هذا الهجوم وقعوا في أحد أمرين، جعلا هذا العمل يختلف عن هجمات جماعة المرابطون السابقة، فإما أن المهاجمين تعمدوا إسقاط أكبر عدد من الضحايا دون النظر في طبيعتهم وجنسياتهم ودياناتهم، أو أن عمليات الرصد والتخطيط التي سبقت العملية كانت ناقصة وغير دقيقة، هذا فضلا عن أن التنظيم لم يتعود التأخر في إعلان مسؤوليته عن مثل هذه العمليات كل هذه الفترة، بل كان في الغالب الأعم يعلن مسؤوليته عن الحدث فور وقوعه، ثم يعيد التبني بالتفصيل في سرد روايته للأحداث لاحقا، وإذا تأكد أن العملية كانت من تنفيذ عناصر تابعين لجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” سواء من “المرابطون” أو غيرهم، فإنه يمكن أن نعيد أسباب التأخر في تبني العملية، إلى ارتباك في الموقف بسبب الحصيلة الثقيلة للهجوم، أو خلاف حول العملية أصلا وطبيعتها، فبكل تأكيد لن تمر عملية من هذا القبيل وبقائمة ضحايا كهؤلاء المعلن عنهم، على كل قادة ومنظري “الجماعة” دون إبداء ملاحظات واعتراضات عليها، ولنا هنا أن نتوقع أحد أمرين في هذه الحالة، فإما أن تعزف الجماعة نهائيا عن التبني وتلتزم الصمت، وإما أن تتبنى الحدث مع إبداء الأسف وربما الاعتذار عن طبيعة الضحايا، أو على الأقل محاولة تبرير ما حصل باعتباره خطأ غير مقصود.
الاحتمال الثاني أن تكون “جماعة تنظيم الدولة الإسلامية” في مالي بقياد “أبو الوليد الصحراوي” هي من يقف وراء العلمية، وهنا قد لا نستغرب تأخر إعلان التبني، إذ من الملاحظ أن هذه الجماعة تواجه نقصا في الأداء الإعلامي أكثر من غيرها من الجماعات الأخرى في المنطقة، ربما لارتباطها بالهيئات الإعلامية للتنظيم في العراق وسوريا، والتي تواجه حاليا ضغطا كبيرا بسبب الحرب في الموصل والرقة، يحول دون الكثير من التواصل وإصدار البيانات المتعلقة بالفروع البعيدة، كفرع التنظيم في مالي مثلا.
وهنا يمكننا أن نسجل ملاحظة وهي أن بعض آخر عمليات هذه الجماعة في النيجر ومالي مرت دون أي إعلان رسمي بتبنيها من طرف الجماعة، التي كانت مشغولة في الأسابيع والأشهر الماضية بالصراع مع مجموعات “غاتيا” التي شكلتها قبائل إيمغاد وادوسحاق الطارقيتين، المواليتين لحكومة بامكو، وإذا ما تأكد احتمال مسؤولية جماعة أبي الوليد الصحراوي عن الهجوم، فلنا أن نتوقع بيانا باسم “جماعة الدولة الإسلامية في بركنفاصو”، وهو التوقيع ذاته الذي حملته بيانات سابقة تبنى فيها التنظيم عمليتين ضد القوات البركنابية في شمال البلاد سابقا.
الاحتمال الثالث أن تكون العملية من تنفيذ “جماعة أنصار الإسلام في بركنفاصو”، وهي جماعة ظهرت قبل سنة ونيف، بقيادة “الإمام إبراهيم ملام جيكو”، وتتكون أساسا من مقاتلين من قبائل الفلان في شمال بركنفاصو، ويصفها المراقبون بأنها النسخة البوركنابية من جماعة “كتائب تحرير ماسينا” في مالي، وتعتبر هذه الجماعة أقرب فكريا إلى جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين “وتنظيم القاعدة، منها إلى جماعة الدولة الإسلامية، وقد درجت في السابق ـ كما هو الحال بالنسبة لجماعة ماسينا ـ على استهداف القوات البوركنابية، والعزوف عن استهداف المدنيين، لذلك يمكن استبعاد هذا الاحتمال، أما إن تأكدت مسؤوليتها عنه، فلاشك أن في الأمر ما سيستوجب اعتذارها مستقبلا أو توضيحا منها على الأقل كما شأن حليفتها “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”.
رابع الاحتمالات وأبعدها أن تكون إحدى مجموعات “بوكو حرام” التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، والمنقسمة على نفسها بعد رفض زعيمها “أبو بكر شيكاوي” قرار قيادة تنظيم الدولة بعزله وتعيين “أبو مصعب البرناوي” خلفا له، وهو احتمال غير مسبوق، إذ لم يعرف للتنظيم أي نشاط أو وجود في بركنفاصو سابقا، وإن حصل فهذا يعني أن أحد فروع تلك الجماعة قرر مزيدا من التوسع، والعمل خارج محيطه الجغرافي والاجتماعي، فقد درجت “بوكو حرام” سابقا على العمل في نيجريا وتشاد والنيجر والكامرون، باعتبارها مناطق انتشارها، ووجود حاضنتها الشعبية (قبائل البورنو).
109 تعليقات