النانه الرشيد تكتب لـ”مورينيوز”: من وحي الاغتراب عن الصحراء والانتقام الاسباني من العرب
مدينة بيتوريا تمتطي صهوة صقيع جامح، و الثلج في دقائق مخاض هطوله الأخيرة، و محطة السفر بالهزيع الأخير من الليل تضم غرباء مثلي، تختلف لغاتهم و تتنوع ألوانهم . بوجداني يشتد وقع معاول الغربة؛ منظر حقيبتي الناتئة فوق الرصيف، الساعة المثبتة بجدار المحطة و أناملي الباردة جدا، مطارق تضرب بعنف مخياتي، فتخلف نحيبا بقلبي .
كان مخيم اللجوء كافيا لتنحت غربته تماثيلها المرعبة بنفوسنا، و ليطمر منفاه أرواحنا بالحنين، فكيف يصبر الذين ارغموا أو اختاروا بعده منافي أخرى أكثر وحشة و أشد مرارة … و كان السفر لأيام قليلة كافيا-و هي عادتي في كل سفر – لأن يضاعف بفؤادي أحزان الإغتراب الطويل. كأن مدريد التي وجهت أساطيل احتلالها أرضنا قبل قرن و ثلاثة و ثلاثين سنة، و باعتنا جزئين قبل اثنين و أربعين سنة، كأنها لا تدرك ما خلفت فينا من مآسي و نحن نركض بين أحزابها و قواها السياسية و مجتمعها المدني دعوة لإنصافنا، كأنها غافلة و غايتنا تنبيهها، كأنها تنشب مخالبها فينا للأبد.
بالأمس حاربناها لانتزاع حريتنا، و اليوم نستعطفها لتغسل أدران فعلها المشين فينا . كأن أسبانيا تنتقم منا، لقرون سيطرة العرب فيها، حينما فتح طارق بن زياد الأندلس و تأسست دولة العرب الكبرى، و سطع بها الاسلام شمسا كادت ألا تغيب؛ كأنها و قد أخرجت آخر أمراء العرب و طوت صفحة عروبتها المعمرة، عرجت لتشرد عربا آخرين، و تستوطن أرضهم كما استوطن أجدادهم أرضها.و كنا نحن الصحراويين “شعب الفداء” و تجربة الانتقام، و كانت أرضنا الصحراء الغربية بداية التجربة الاستعمارية الإسبانية في نسختها العربية.
لعلي.و أنا الباحثة دوما عن مبرر لتقاعس العرب عن نصرتنا، أقول بأنهم خجلون من اسبانيا و من أنفسهم، فقد عمروا أرضها طويلا، و تركوا بها مجدا تليدا لا تبليه السنون، و خرجوا مهزومين كأن لم يدخلوها يوما. كأن اشقاؤنا العرب يرون في مأساتنا تكفيرا عن ذنب هزيمتهم المرة. أنا لا أكره الغرب، لكني ألعن ضعفا عربيا ورثته مرغمة، لهذا لا يمكنني مطلقا أن أكون مواطنة من أي درجة كانت ببلد أوروبي، خاصة اسبانيا، و لست أفكر بمستقبل يربطني بها، لا يمكنني ان اتبعهم مهما كانت قسوة المخيم و عزلته، لا يمكنني ان أقر أني بلا وطن بينما أحمله بقلبي حيث ما حللت .
90 تعليقات