تكلم الحسانية أو ارحل…/ محمد إسحاق الكنتي
زرت داكار عام 1985 لبعض شأني. كنت أبحث عن عنوان في المدينة. سألت أحد المارة بلغتي الفرنسية الرفيعة.. نظر إلي بازدراء ثم قال، بفرنسية لا تقل أناقة:”أنت في داكار.. تكلم الولفية، أو ارحل!!!” ومضى في سبيله. أعجبني تصرفه، فقد كان شابا وطنيا يريد أن يحترم الأجانب لغة أهل البلاد؛ أغلبهم. من منا اليوم يستطيع أن يقول في وجه الصيني، والفرنسي، والسنغالي، والمغربي، والمالي… وكل الأجانب..”أنت في موريتانيا تكلم الحسانية أو ارحل!”
من المخجل أن ترى الناطقين بالحسانية يتبادلون الأحاديث الاجتماعية بالفرنسية، ولا يستطيعون إكمال جملة من الحسانية دون كلمات من الفرنسية تحشر فيها، حتى أصبحت لغتنا شبيهة بالكريول! صاحب الدكان الأمي يعد بالفرنسية، مواقيت الصلاة تترجم في بعض المساجد إلى الفرنسية، لا أحد يعد بالحسانية: خمسمائة، ألف،… كم منا يستخدم اللغة العربية في هاتفه النقال؟ من منا يعبئ الصك بالعربية حين يريد سحب ماله؟ من منا يوقع بالحروف العربية؟ من منا يقول لسائق التاكسي: انعطف على اليمين، من منا يقول: إشارة المرور، السوق، السيارة، الدكان… الفرنسية على ألسنتنا جميعا، أكثرنا تعلقا بها أقلنا إتقانا لها…
مئات الأطر من ذوي الثقافة العربية في مختلف مرافقنا العمومية، كم منهم يحرر مراسلاته باللغة العربية؟ كم منهم يهمش على بريده باللغة العربية؟ كم منهم يرد على الهاتف، أو يفتتحه بالسلام عليكم بدل اللفظة الانجليزية؟
كل الأمم تعتز بلهجاتها إلا نحن؛ البرامج الاجتماعية الموجهة إلى جمهور عريض باللغة العربية الفصحى، يتقعر أصحابها فلا يهمهم من الكلمة إلا آخرها، ولا يهمهم من آخرها إلا حركته. وعقدتنا مع إخوتنا الأفارقة هي أننا نفترض أنهم يعرفون الفرنسية جميعا فنبادرهم بالحديث بها وكأننا نقول..”لسنا أقل منكم، نحن أيضا نعرف الفرنسية!!!” أغلبهم يعرف الحسانية، ولا يجد غضاضة في الحديث بها، لكنه لا يجد فرصة لذلك.
هذا مما عمت به البلوى بين كل فئات المجتمع. ينقصنا الاعتزاز بهويتنا وثقافتنا الحسانية. لماذا لا نتكلم لهجتنا ونفرض على من يقيم على أرضنا أن يحترمنا فيخاطبنا بها كما يفعل مع كل شعوب الأرض!!! كان أحدهم يشتري من دكان صيني في نواكشوط سأل عن الثمن بالحسانية، فرد عليه الصيني بالفرنسية. فقال الموريتاني: تكلم بالحسانية! تدخلت سيدة مدافعة عن الصيني:(هو ما يعرف الحسانية). قال صاحبنا: الجهد الذي أنفقه في تعلم الفرنسية ينبغي أن ينفق بعضه لتعلم الحسانية، أو ليبحث عن رزقه في مكان آخر…
في إطلاقه للحملة الزراعية في لكوارب، كُلف أحد مهندسي وزارة الزراعة بتقديم شروح لفخامة الرئيس على لوحة كتب عليها بالعربية والفرنسية، فانبرى صاحبهم يرطن. أسكته الرئيس: “تكلم الحسانية!” وأراد مترجم أن ينقل للرئيس من الانجليزية إلى الفرنسية فنهره: “ترجم إلى العربية!” أما خطابات فخامة رئيس الجمهورية في المحافل الدولية فهي بلسان عربي مبين، ويحاول حمل متفرنجتنا على الكلام بالحسانية… الثقة في النفس والاعتزاز بالهوية مطلب وطني…
#-تكلم-الحسانية-أوارحل.