الأمم المتحدة تعزل امريكا والجمعية العامة تعريها وتقزمها !!
أثار قرار ترامب، ، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، موجة تنديد عالمية وتظاهرات احتجاج في مختلف أنحاء العالم لم تكن متوقعة…
ربما لا تفهم أمريكا في السياسة كثيرا خاصة إذا تأملنا تاريخ الرؤساء الذين افتعلوا حروبا لم تكن نهايتها كما توقعوا؛
بالرجوع إلى الواقع العالمي الذي تشكل بعد الحرب الباردة فإننا نجد أن سقوط الإتحاد السوفياتي لم يكن يعني مجرد سقوط نظام في الحكم معين، ولا مجرد انحلال تكتل بين دول، ولا مجرد تفتت معسكر يتحدد بكونه يشكل حلفا بين دول، ضد حلف آخر يتشكل من دول أخرى، بل لقد كان سقوط الاتحاد السوفياتي يعني أيضا، وربما في الدرجة الأولى سقوط نظام اجتماعي واقتصادي وفكري، نظام كان يطرح نفسه كمشروع ضروري للمستقبل: بمشروع حضاري جديد، هو ما عبر عنه بـ ((النظام الاشتراكي العالمي)، وقد كان يبشر بعلاقات إنتاج جديدة، وبنظام سياسي محلي ودولي جديد، وبإيديولوجيا جديدة، بمعنى تاريخ جديد للإنسانية..
وقد دخل كما هو معروف في صراع مع النظام الرأسمالي، القائم آنذاك..
وكان الصراع بين النظامين يشمل الاقتصاد والسياسة، والقيم والفكر والعلاقات الدولية.. إلخ..
وبما أن هذا الصراع لم يتطور إلى صدام مسلح على غرار الحربين العالميتين، بسبب الرادع النووي لدى الطرفين، فقد اكتسى صيغة صراع حول المناطق الإستراتيجية ومواطن الثروة، وأيضا صيغة صراع إيديولوجي استعمل فيه الدين والعلم والثقافة بصورة عامة..
إن سقوط أحد طرفي هذا الصراع، كان بدون شك (انتصارا) للطرف الآخر، ولما كان المعسكر الرأسمالي هو المنتصر فإنه لم ينظر إلى هذا الانتصار على أنه انتصار من نوع خاص، فهو لم يكن نتيجة مواجهة يتحمل فيها كل طرف نسبة من الخسارة، ولا نتيجة معاناة تحمل كل طرف على التكيف مع ما جريات المعركة ونتائجها، مما كان لابد أن ينتج عنه تغيير على هذه الدرجة أو تلك في كيانهما ورؤاهما وأساليب عملهما، كلا !
لقد كان انتصار مجانيا، بدون ثمن. كان في الحقيقة إلغاء للمباراة قبل إجرائها، بسبب إنسحاب غير متوقع لإحدى الفرقينلقد إنهار الاتحاد السوفياتي. ومعه المعسكر الشيوعي…
أما المعسكر الآخر فقد بقي كما هو بكل عدته العسكرية والاقتصادية والإستراتيجية والعلمية والفكرية، وأيضا بقي في حالة تعبئة وتجنيد، ولكن بدون عدو. لقد خلت له الأرض وخلا بها، فصار وحده يطلب الطعن والنزلاء)
ولكن مع من؟ بمعنى أن أمريكا أصبحت تبحث عن عدو يحفظ لها توازنها وتأتي أحداث الحادي عشر من سبتمبر والأحداث لالحقة لتجد فيها أمريكا ضالتها المنشودة كذريعة لمحاربة لإسلام وان اختلفت التسميات التي تتخفي وراءها:إرهاب تشدد,اعتدال…
فبما أننا قضينا على الشيوعية أو كما يسمى الخطر الأحمر), فقد آن الأوان للقضاء على الإسلام الخطر القادم..وهذا ما يتكرر في كل مرة.. .
شاهد كلمة مستشار الأمن القومي لترامب الذي يصف فيها الاسلام بأنه سرطان خبيث يجب استئصاله.
https://www.youtube.com/watch?v=uDYVeAr_1c4
واذا كانت ادارة بوش توفرت لها العوامل لضرب الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولم تفلح في ذالك فمن المغلوم أن الحروب تدار مثل لعبة الشطرنج ولكن أمريكا قد استعاضت عنها بلعبة البسبول تلك اللعبة الراسخة على نحو عميق في الروح الأمريكية. والشيء الغير متوقع في هذه اللعبة هو أن ملاعب العراق وأبنائه لعبوا هذه اللعبة بطريقتهم الخاصة…مماشكل أول اخفاق للنظام العالمي الجديد….
الإخفاق الثاني كان في أفغانستان في ما يعرف بالضربات الاستباقية في تورا بورا وإرهاب فضائح التعذيب في غوانتناموا..
أما الإخفاق الثالث فهو ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذي كشف زيف فلسفة المحافظون الجدد الذين بشروا العالم بالديمقراطية والعالم الحر, ولم يشاهد هذا العالم إلا الدمار, والخراب, طيلة حكمهم, وحتى بعد رحيلهم.ومايزال العالم يعيش تداعياته
واليمن.. وهذا ما شاهدناه في العراق، وأفغانستان، وفلسطين، والصومال،..وسوريا وليبيا
في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يسوق لنا تحت شعار التحديث والإصلاح، الديمقراطي والإجتماعي والتربوي واللغوي، لننخرط فيه/ طوعا متنازلين عن كل قيمنا وتراثنا وهويتنا وانتمائنا؛ نستبدل بها قيم الكاوبوي والكوكاكولا والشذوذ، أو كرها طبقا لنظريات هنتغون وفوكا ياما في صدام الحضارات ونهاية التاريخ، تحت وطأة الضربات الاستباقية بالمطرقة الثقيلة، كما في تورابورا والفلوجة، وإرهاب فضائح التعذيب في غوانتناموا وأبي غريب….
وإذا كانت أمريكا لم تفصح للعالم عن هدفها من وراء هذه الحروب, فان الثوب الذي ألبسته لتلك الحروب باسم الحرية والديمقراطية بات معروفا لغير العميان يقول الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ** حتى يراق على جوانبه الدم
وهو اعتراف اترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل كتحدي سافر للأمم والشعوب ويجتمع مجلس الأمن على استعجال بطلب من مصر وتصوت أعضائه 14 ضد القرار ليعزل بذالك أمريكا لكن أمريكا ضربت عرض الحائط بالرأي العالمي ملوحة بالفيتوا..
ثم تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة طارئة، بطلب من العالمين العربي والإسلامي حيث لا تحظى أي دولة بحق النقض خلافا لمجلس الأمن ؛ للتصويت على مشروع قرار يرفض اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، بعدما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضده في مجلس الأمن.. بموافقة 128 دولة بينما ورفض 9 دول وامتناع 35 دولة عن التصويت..
وبما أن الرجل يفهم كثيرا في البيع والشراء فقد راح يلوح بقطع المساعدات عن الدول التي ستصوت للقرار وبأنه سوف يحد من المساعدات السخية التي يعطيها للأمم المتحدة..
بل إن المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة قالت إن ترامب كلفها “بتقييد أسماء” الدول التي ستصوت لصالح مشروع القرار…
في حادثة غير مسبوقة حيث أصبحت الامبراطورية الأمريكية بعنفوانها وجبروتها تستجدي دولا لا توجد إلا على الخريطة مثل: ميكرونيزيا، وناورو، وبالاو، وجزر مارشال. ؟
في حين قاطعها حلفاؤها كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وأوكرانيا، الذين صوتوا لصالح القرار في مجلس الأمن..
وليس مستغربا هذا الموقف اتجاه إمبراطورية انهارت أخلاقيا بسبب إسرائيل وهاهي على شفا تدهورها سياسيا..
وإسرائيل تعرف جيدا أن العالم تعاطف معها لسبب هذه المحرقة المزعومة (الهوليكوست) وقد كان أساس هذه الرسالة هو الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب وقد أبدع في إخراجها للعالم مؤلفون مبدعون ومثقفون محنكون. حتى ليحس المرء بعد مطالعته لقصة أو مشاهدته لفيلم عن هذه المحرقة بحاجة إلى أن ينزوي نفسيا من هول ما شاهد وطالع.!!
كان ذالك قبل(محرقة غزة) وقد بدأ الرأي العالمي يشاهد بأم عينيه المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بمساندة أمريكا التي جسدت كل تلك المشاهد وزادت عليها مع الفارق بين الزمنين, وان كنا لم نشاهد صور المحرقة الأولى, فإننا شهود على المحرقة الثانية والثالثة والتي نشاهد فيها صور تقشعر لها الأبدان وتموت لها القلوب كمدا, من هول الموقف فمثلا: أطفال مقطعة الرؤوس, وأشلاء لنساء, وعائلات بالعشرات نسفت, ومباني ومساجد هدمت, ومساجد خربت, وكأننا أمام زلزال من صنع البشر..
كنت قد كتبت مقالا حول هذه الحادثة بعنوان:معالم فكر جديد بين فتك القنبلة وتأثير الصورة.
http://aqlame.com/article19605.html
حاولت من خلاله أن أبين أن تلك فالصور الناطقة للدماء التي سكبت على البحر والأرض التي ترتبط بأهلها ارتباطا عضويا, أنجزت ما لم تنجزه العرب مجتمعة. حيث نقلت
(القضية الفلسطينية) إلى الرأي العالمي وبينت على مرأى ومسمع من الجميع العدو والمتواطئ, والعاجز والمتخاذل..
وخلقت (شرق فجر جديد), وعززت لأول مرة خيار المقاومة وضرورة امتلاك سلاح الكلمة والصورة, بدل التهافت على ما يسمى ب: أوهام(السلام).الذي ضاع مع الأجزاء الآدمية التي تقطعت في هولكوست غزة الجديد..
صحيح أن إعلامنا فاقدا لثقة الجماهير وذالك لأن الوعي والثقافة سبقا الإعلام العربي بمراحل لكن هذا لا يمنعنا من استرجاع هذه الثقة….
فالإعلام منتج طبيعي لواقع المجتمع والمجتمعات المتقدمة هي التي تنتج إعلاما متقدما ولا يوجد إعلام حر مطلق، كما لا يوجد إعلام حيادي بالمطلق حتى الإعلام الغربي الذي يتبجح بالحرية لديه درجة من الانحياز لإسرائيل ولكن كلمات الرئيس الاسرائيلي قبل اجتماع مجلس الأمن واصفا اياه بأنه بيت للأكاذيب و كلمة مندوبه لدى الأمم المتحدة بأن الدول الداعمة للقرار كدمي بأيدي الفلسطينيين واتخاذ ترامب لمنصة الأمم المتحدة كسوق للنخاسة لبيع وشراء ذمم الدول..
كان لهذا الخبر المدوي الذي تصدر كبريات وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة الغربية والدولية والعالمية…مكسبا جديدا لقضية القدس وفلسطين والأمة العربية والإسلامية.
وأهمية هذا المكسب الجديد هو أن المجتمعات الغربية تثق بهذا الإعلام لأنه تأسس على الثقة… وأنه عزل لأول مرة أمريكا وإسرائيل وعراها وقزمها في عقر دارها.
المرابط ولد محمد لخديم