في مقال جديد الكنتي يكتب: “السنوار.. رئيسا لتواصل..”
بعد إدلائه بصوته، اقترب صحفي من التلفزيون الرسمي من رئيس حزب معارض مترشح للرئاسيات.. سأله عن تقييمه للظروف التي تجري فيها عملية الاقتراع، فأثنى على شفافيتها ونزاهتها ومطابقتها للمعايير الدولية للديمقراطية… سأله الصحفي..
– لمن صوت؟
– للزين طبعا!!!
كان ذلك في خريف الدكتاتوريات العربية، قبل الربيع الذي جاء ليكنسها فتجاوز تفويضه ليكنس معها دولا وشعوبا… تذكرت هذه المفارقة الديمقراطية جدا، وأنا أتابع عملية “الجرح والتعديل” لانتخاب رئيس تواصل الجديد… كانت “العملية القيصرية” مقاربة تأصيلية طريفة! يمنع الترشح، فالحزب هو الذي يختار المرشحين.. أول خطوة غير ديمقراطية. اختار الحزب أربعة من كوادره ليتنافسوا على طريقة المصارعة الحرة، كل اثنين في فريق؛ اثنان من المناطق الشرقية، واثنان من الجنوب… وكما يحدث في الكواليس قرر الفريقان أن تكون المباراة أحادية الأطراف، فانسحب مصارع من كل فريق. لاحظ المنظمون الذين يوجهون نتيجة المباراة وفقا للرهانات وعكس توقعات الجمهور أن أحد الفريقين مارس الغش.. فأصروا على أن تظل المباراة رباعية الأطراف. ودخل الجميع الحلبة ففاز أخف المصارعين وزنا وأقلهم جمهورا بفارق كبير يذكرنا بالانتخابات المزورة التي يفوز فيها الدكتاتوريون بأكثر من 79%!!!
كان الارتباك والارتجال عنوان العملية كلها.. أحد المرشحين يستجدي المؤتمرين “لا تصوتوا لي!”، وآخر يناشدهم التصويت لخصمه لأنه “…كان في شبه استراحة محارب عكس من كانوا في الزحام”! وفسر ذلك بأنه تدافع للمسؤولية، أو دفع لها في اتجاه متفق عليه بشكل مسبق… بهذه الطريقة الديمقراطية جدا أصبح “الدكتور” محمد محمود ولد سيدي رئيسا لحزب تواصل… واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتدوينات والصور المسربة. لم يحظ الرئيس الجديد بالحماس، ولا بالترحيب… دون محمد غلام شريكه في فريق المصارعة..”… وأنا على ثقة من [أن] الأخ محمد محمود له من الحكمة والحنكة والمؤهلات…” لقد جرده من لقب الدكتور، ولم يصفه بالرئيس! ثم يضيف..”…، كما أنني متأكد من أن هذه العصارة الخيرة… سوف تعينه وتشد من أزره…” يجد محمد غلام صعوبة في “هضم” رئيسه الجديد، لذلك فكر في المحيطين به بصفتهم عصارة يستعان بها لخفض مستوى “الحموضة” الذي يحدثه له الرئيس الجديد.. الوزير المطبع…
لقد عبر محمدن ولد الرباني، وهو الذي كان إلى فترة قريبة الكاتب الرسمي باسم الحزب والحركة، عن ترحيبه برئيسه الجديد بطريقة نزع بها لبوس إكيدي..” لا بد في بناء المؤسسات من المصارحة ويجب أن تكون الكفاءة والقوة في المجالات المطلوبة شرطا ساسيا[أساسيا، عجل عن الألف] قبل التنويع الجهوي والفئوي والنوعي…” صراحة منفلتة، وغيظ يكاد يخرج عن السيطرة…
أما الحسن مولاي علي، أمير سابق للحركة، فقد بدأ تدوينته بالشكر والعرفان ل”زعيم حزب تواصل المغادر الدكتور محمد جميل منصور، وبالرجاء والآمال العراض نستقبل خلفه الدكتور محمد محمود سيدي…” وصف الحسن جميل بالزعيم، وأضاف إليه الرئيس الجديد، فسماه “خلفه”. يوجه الحسن ضربة تحت الحزام إلى رئيسه الجديد، الذي لا يطلق عليه لقب الرئيس، حين يلقب جميل منصور بالدكتور! فالرجلان يحملان نفس الدبلوم (فرق بين الدبلوم والشهادة) من نفس الجامعة:(دبلوم الدراسات المعمقة من جامعة محمد الخامس). فلماذا يطلق لقب الدكتور على أحدهما ويحرم منه الآخر!
كانت هذه التدوينة إشارة من طرف خفي لتبدأ المقارنات بين الرجلين.. مقارنات يخسر فيها الرئيس الجديد أمام سلفه…
يقول أحد المدونين، واصفا مكتبة جميل منصور العامرة..”…تجبهك عند الدخول عناوين لكتب أصولية ومقاصدية… وكأنها إشارة من جميل للداخلين…” لا يبين المدون عن طبيعة هذه الإشارة! لكننا نفهمها حين نعلم أن الرئيس الجديد متخصص في الأصول. ثم يضيف المدون في إشارة أكثر وضوحا..”…وجود رف متعلق بالكتب الأجنبية…” في مكتبة جميل منصور!!! يقال إن ولد سيدي يتكلم ثلاث لغات، ولجميل منصور رف في مكتبته خاص بالكتب الأجنبية!!! ثم يبدأ المدونون النبش في حياة الرجل العلمية والمهنية..”قال لنا ذات مرة الأستاذ [غاب لقب الدكتور] الرئيس ولد سيدي بقاعة الدرس إنه حفاظا منه على عدم ضياع قلمه لدا كل من هب ودب تعود على حمل القلم الأحمر، لأنه غير مرغوب لدا الغالبية، فيما يكفيه لكتابة ما لديه من ملاحظات.” وهذا درس موصلي بليغ. ويهتم مدون آخر بحياته المهنية من زاوية لا تبرز صفاته القيادية.. فحين كان في الوزارة “لم يكن له من الأمر شيء”، وإنما كان “ظريفا محببا إلى النفس.” ويصفه آخر بأنه “حلو الفكاهة”. وليست هذه صفات القائد القادر على الخروج من “دراعة” جميل التي فصلها على مقاسه فجاءت واسعة الأكمام ضيقة العنق.
سيصرح أحد المدونين بما ألمح إليه من ذكرنا..”أعتقد أنه يصلح للوعظ والإرشاد أكثر منه لسياسة الدولة”. ويضيف آخر..”هل هو كارزمي؟ أم أنه رجل علم وليس رجل سياسة؟…”
كانت “التدوينات” إشارات وتنبيهات إلى ما ينتظر الرئيس الجديد من الكمائن والفخاخ التي برع سلفه في نصبها للحلفاء قبل الخصوم. ثم جاءت المقالات بالبيان والتبيين، وفصل القول في إمامة المفضول… أول هذه المقالات عنونه صاحبه..”أتدرون من سيكون القائد القادم لحزب تواصل…؟” وتوقع الرجلَ الذي “رُشح وانتخب”، نشر المقال 20 دجمبر، يومين قبل انعقاد المؤتمر!!! ساق المقال الأمور إلى هذه النتيجة عبر “مفاضلة” موجهة بين المرشحين الذين لم يخرجوا عن توقعات صاحب المقال… جمع ولد سيدي، حسب المقال، كل الصفات الموضوعية في المرشحين الثلاثة..”… ولست أدري كذلك لمَ كل ما فكرت في الأمر قفزت إلى ذهني صورة الدكتور محمد محمود ولد سيدي، ولمن يعرفه [لا يعرفه]، فالرجل يمتلك ذات جهة غلام وبعض علاقاته وذات مجموعة الحسن الاجتماعية وتوافقيته، ويتحدث اللغة الفرنسية أحسن – ربما – من ولد بيب كما يمتلك تمدرسه وشهادته…” إذن ما يؤهل الرئيس الجديد لقيادة حزب أيديولوجي أممي..هو انتماؤه الجهوي والقبلي، ومعرفته اللغة الفرنسية… وحين تنشر هذه المعلومات قبل يومين من انعقاد المؤتمر فإن ذلك يعني أن هذه المحددات هي التي تجلب الشعبية بين المناضلين لصالح مرشح قيادة الحزب!!!
بعد انتخاب “الدكتور جيفاغو” صدر مقال يوم 26/12 تناول بشكل نقدي شخصية الرئيس الجديد.. يقول صاحب المقال..”لم ألاحظ تميزا في الرجل الجديد كليا علي، كان نحيف البنية بذقن كرأس حربة، يشبه إلى حد كبير طلبة المحاظر.” لاحظوا تآكل التقدير الذي يحظى به الرئيس الجديد.. لقبوه بالدكتور، ثم أنزلوه إلى درجة أستاذ، ثم أصبح أخا عند محمد غلام، لينتهي نكرة..”الرجل الجديد كليا علي…”، “الشخص الدقيق… رجل يبدو تقليديا… يغالب الضحك… ثم سرعان ما يغلبه فيستسلم لهستيريا مهذبة وغير مسموعة…” لاحظوا التركيز على “الخفة” في شخص الرئيس، وفقدانه الوقار؛ فقد وصفوه..”ظريفا… حلو الفكاهة… يغالب الضحك… ثم سرعان ما يغلبه…” هل هذه صفات قائد يتحمل مسؤولية حزب ذي خلفية إسلامية!!!
ويصل المقال إلى بيت القصيد..”محمد محمود طيب”، وهذه الصفة محل إجماع وليست انطباع صاحب المقال، “هكذا كان تعليق الرفاق واحدا بعد الآخر،…”، والطيب في لغة أهل السياسة كناية عن الأبله… يستمر صاحب المقال في تركيز هذه الصفة في ذهن القارئ..”…كنت إذا مرضت ذهبت إلى محمود [لا أفهم لماذا اختصر اسمه بهذه الضيغة!!!] ففي لاشعوري أنه رجل صالح وأنه لا يمارس السياسة وأنه كان مع الرجلين بالصدفة، أو بالانتماء لتيار ديني يأخذ هو منه جانبه الروحي فقط،…” الرجل إذن بهلول ديّن أقنعه السياسيان أن السلطة تلاحق الدينين فهرب منها… إلى ذلك فهو حامل رسائل جميل، لكنه ليس حريصا على وصولها، فهل “انتخابه” اليوم استكمال لهذه المهمة؟ يقول المقال..”سألني أن أجلب له بعض الكتب من الرباط إن أمكن مضيفا: إنها بعض الكتب الخاصة بجميل منصور لكنها سياسية فكن حذرا، وإن رأيت أنها قد تضرك، أو تزعج السلطات فاتركها حيث هي.”
تلكم هي الصورة التي رسمها مدونون وكتاب (رؤوسهم باردة) لرئيسهم الجديد؛ صورة درويش ضاحك. لكن أصحاب الرؤوس الباردة والساخنة معا يرسمون صورة مغايرة لجميل منصور، صورة الزعيم الفذ الذي يقارن بالعظماء..”فكان به شيء من البنا، وشيء من مانديلا، وشيء من غاندي، وشيء من اللندي، وشيء آخر من غيفارا،…” كل هذه الأشياء لا يمكن أن تركب إلا على “لا شيء”… فلعل الكاتب قصد بابا من أبواب البلاغة! مجموعة الأشياء هذه امتلكت مقدرة فائقة على إعادة ترتيب بيت تواصل من الداخل..”فعل كل ذلك دون الاستغناء عن قطعة أثاث واحدة.” كان جميل إذن يرتب قطع أثاث البيت التواصلي، وقد خطر له أن يجعل إحداها في خانة رئيس الحزب… وبذلك قال..”وداعا للأثاث”.
وعلى نفس المقام غنى محمد غلام في مقال طويل عن “جميل والقاطرة”، يذكر ب”الجميلة والوحش”، تحدث فيه عن “ليلة شاتية” تعرف فيها على ” شاب عشريني داكن اللون طويل الشعر وسيم الوجه خفيف اللحية مدورها…” جميل منصور. وكما يحدث في القصص المشابهة، وقع الفتى على أم رأسه..” توطدت العلاقة بيننا علاقة القدوة والأسوة”. وجد الغر بطله..” كان جميل دائما في الصدارة مع إخوانه يتقدمهم في معارك الفكر في الجامعة وأنشطة السياسة وبيان الإعلام طيلة العقود الثلاثة أزعم أن جميل لم يأخذ فيها أياما للراحة أو الاستجمام.” وينقلب الإعجاب هوسا بالمحبوب حتى يرى فيه الولهان ما يصوره خياله..” وأنه أضاف بحق في مجالات المعرفة المختلفة من نير الفكر ودقيق الفهم ما يعتبر مفخرة لموريتانيا التي أنجبته والصحوة الإسلامية التي أطرته.”!!! (يتبع، إن شاء الله).