الكنتي يكتب عن “اللعب على أرض الخصم…”
وصلتني دعوة من شباب “بيت الحكمة” للمشاركة في ندوة عن العلاقات الموريتانية العربية قبل أزمة الخليج وبعدها. سألت عن الموعد والمكان فأبلغت أنه نهاية الشهر الأخير من العام المنصرم، وفي مقر حزب تواصل. طلبت تغيير الزمان والمكان، فاستجاب المنظمون مشكورين… اعتبرتها مباراة ودية لتوديع نجم قرر الاعتزال بعد عقود من قيادته فريقه في الملاعب السياسية… كان الرقم عشرة دون منازع؛ يقود الهجمات، وينظم الدفاع.. لكن الفريق يمر بظروف صعبة؛ فقد تقلصت عقود الرعاية، وساءت العلاقة بين المدرب وقائد الفريق فكان على أحدهما أن يرحل.. ولما كان هو صاحب شعار الرحيل فقد طلب منه أن يضرب المثل…
فلا بأس إذن من توديعه بشكل لائق بالسماح له بعرض مهاراته وتسجيل بعض الأهداف التي لن تحتسب.. لا له ولا عليه… كانت هذه الأفكار تراودني وأنا أتجه إلى الملعب المحايد في مدرسة النجوم.. وصلت قبل المحتفى به، ثم جاء فدخلنا حجرة تحضير الأفكار. كنت سألت المنظمين عن خطة اللعب فأخبروني أن المحتفى به يدخل الملعب أولا ثم بقية اللاعبين. فرفض هذه الخطة وقرأ من هاتفه خطة مختلفة قال إن المنظمين أبلغوه بها… وبدأ التفاوض حول تسيير المباراة… فاكتشفت أن ما حسبته مباراة ودية هو بالنسبة له ولجمهوره الذي غصت به القاعة “ديربي” من الدرجة الأولى… فقال إن الطريقة المقترحة تناسب المناظرة، ولم يأت لذلك.. انتهى الاتفاق إلى دخولي وإياه في الشوط الثاني، وهو اقتراح مفهوم فلم تعد لياقته تمكنه من لعب مباراة كاملة. وبهذه الخطة بدأت المباراة متأخرة عن موعدها. اختار على خارطة الملعب موقع “بنك اليمين”، قائلا إنه يترك لي اليسار، فلاحظت..”لكنكم تصنفون في اليسار الإسلامي” فوافق، فأردفت..”تعودنا على تغييركم مواقعكم”…
عند اقتراب نهاية الشوط الأول طلب الدخول إلى الملعب في الوقت بدل الضائع فرفضت فقد أدركت قصده.. أراد أن يجول في الملعب وحده، يستعرض بعض مهاراته، يسجل أهدافا سهلة ثم ينتهي الشوط الأول ويذهب الجمهور للصلاة فينسحب وجمهوره متعللين بأي عذر… فشلت الخطة فغير المناورة… بدأ الشوط الثاني فاعتمد خطة دفاعية حرك الكرة في مناطقه ثم سلمها بسرعة فكان علي استدراجه إلى الهجوم فاستراح لذلك كثيرا، وقال حين عادت إليه الكرة..”الآن أتكلم في الموضوع”.. وبدأ هجوما، لم تسمح له لياقته بأن ينظمه ويطوره لينتهي بأهداف سهلة.. ضرب العارضة مرة، وانتصب القائم أخرى في وجه أهدافه.. حاول التسلل عند انقطاع الكهرباء مطالبا بإنهاء المباراة والكرة في مرمى الخصم.. لكن يحسب له أنه تجنب اللعب الخشن عموما. لكن جمهوره المشهور بالتحمس دخل الملعب عدة مرات؛ فلم يعجبه تناوب الكلام، وهو الخارج لتوه من مؤتمر كرس فيه حزبه سنة “التناوب”!!!
اكتفيت ببعض الهجمات المرتدة التي زعزعت دفاعات الخصم، وأرغمته على تغيير خطة لعبه أكثر من مرة.. “لا أقول إن قطر ديمقراطية…”، ثم يترك الملعب ليلتقط كرات في الرياض وأبو ظبي… وبذلك ظل طول المباراة مرابطا في مناطقه، فلم يكن من اللائق تسجيل أهداف في مرمى معتزل يلعب مباراته الأخيرة… حرصت قناة الفريق على تغطية المباراة حتى نهاتها، بينما انسحبت قناة الراعي الرسمي عند انتهاء الشوط الثاني.
انتهت المباراة بعد شوطين إضافيين دخل خلالهما بدلاء أعطوا المباراة “الودية” مزيدا من الزخم، فطوروا هجمات سريعة هددت كلا المرميين دون أن تحرز أهدافا.. تميزت المباراة باللعب النظيف، والتحفظ في الهجوم، فلم يكن هنالك خاسر وتلك طبيعة المباريات الودية احتفاء بنجم كبير قرر، أو أرغم، على الاعتزال، وقد يتراجع عن قراره تحت ضغط “الآلتراس” ذي الطباع الإنجليزية…
من صفحة محمد اسحاق الكنتي على الفيسبوك