ثوار القناة 2 / محمد اسحاق الكنتي
استيقظ باكرا.. تناول إفطاره، وظل جالسا يتابع الأخبار… لاحظت زوجه:
– ألا تذهب إلى العمل؟
– لا. متوعك قليلا…
نظرت إليه باستغراب…
– سلامتك…
تذكر ابنه…
– أين جمال؟
– ذهب إلى الثانوية
انهار على الكرسي. هرعت إليه زوجه…
– ما بك! سلامتك.
– لا شيء.
هم بالخروج إلى الثانوية، لكنه تراجع. فات الأوان. طلب قهوة، ثم استسلم… بعد ساعة عاد ابنه لاهثا، يسعل بحدة، ودموعه تسيل غزيرة…
– مالك؟ ما الذي حدث؟
استرجع الصبي أنفاسه، ثم قال في كلام متقطع…
– الشرطة.. أمطرونا وابلا من مسيلات الدموع، وضربونا بالهراوات… أغمي على العديد من الطالبات.. ثم أصابته نوبة سعال جديدة…
رن الهاتف. كان نضال على الخط…
– حدث ما توقعناه.. القتلى بالعشرات في صفوف الطلبة، والجرحى…
سقط الهاتف من يده. أمسك رأسه بكلتا يديه…
– حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل…
استمر نضال يصيح في الهاتف…
– آلو! آلو! آلو!
إلتقط الهاتف من جديد…
– هل أنت متأكد مما تقول يا نضال؟
– طبعا. تابع الأخبار، سترى الصور حالا. ثم أغلق الخط.
سأل صابر ابنه..
– هل أطلقت الشرطة النار؟ هل رأيت قتلى، أو جرحى؟
– لا أعرف، لم ألاحظ شيئا. كان الكل يجري قصد النجاة.. سقط الكثير من الطالبات…
عاود نضال الاتصال…
– شاهد القناة… سيبثون الخبر الآن….
“عاجل: عشرات القتلى والجرحى في صفوف الطلبة… شاهد عيان يروي تفاصيل المجزرة… وظهرت الصور… فتيات مدرجات بالدماء، وأصوات إطلاق نار كثيف… ثم جاء صوت الصحفي..
– معنا أحد طلاب الثانوية الذين شاركوا في المظاهرة السلمية.. سنتحفظ على اسمه، ونموه صوته حفاظا على سلامته… صف لنا وقائع المجزرة…
– خرجنا في مظاهرة سلمية دعما لإخوتنا، فتصدت لنا الشرطة بالغاز المسيل للدموع، وضربونا بالعصي و… قاطعه الصحفي…
– هل سمعت أصوات إطلاق النار؟
– نعم!
– الشرطة أطلقت عليكم النار؟
– نعم.
– هل سقط قتلى؟
– نعم.
– كم عددهم؟
– لا أعرف.
– بالعشرات؟
– نعم.
– أشكرك. هذا وأفادت مصادر مطلعة أن حملة اعتقالات واسعة شنت في صفوف الشباب الذين خرجوا في مظاهرة عفوية احتجاجا على هذه المجزرة. وسنوافيكم بتفاصيل أكثر حالما نربط الاتصال بمراسلنا في عين المكان…
التفت صابر إلى ابنه..
– هل كنت حقا في المظاهرة؟!
– بالطبع كنت فيها…
– وكيف لم تر شيئا من هذا!
– لا أعرف. لم أسمع إطلاق النار.
قال صابر، متهكما..
– ولم تر القتلى!!!
– رأيت طالبات تسقطن.. كنت أجري مع الآخرين…
رن هاتف صابر من جديد. كان نضال على الخط…
– رأيت يا صابر وحشيتهم؟ الشهداء بالعشرات.. بدأت الثورة.. يجب أن تختفي أنت وابنك. سيأتون لاعتقالك، وربما إعدامك…
قاطعه صابر، هلعا…
– أين سأذهب؟
– هناك سيارة تنتظرك في الزقاق. خذ ابنك معك بسرعة. ثم أغلق الخط.
عانق زوجه وكريمته، ثم تسلل وابنه إلى الزقاق حيث وجدا سيارة في انتظارهما. انطلق السائق إلى ضواحي المدينة. وجدا نضال في إحدى المزارع. أدخلهما إلى كوخ العامل.
– ستبقيا هنا يوما أو يومين، ثم نتصرف في ضوء الأحداث. لا تخرجا من الكوخ. كل شيء متوفر لكما.
صادر نضال هاتف صابر وعاد مع السائق إلى المدينة. بقي صابر وابنه معزولين عن العالم ثلاثة أيام، في الهزيع الأخير من ليل اليوم الرابع جاءهما نضال…
سأل صابر متلهفا..
– لماذا تركتنا كل هذا الوقت؟ ما الذي يجري في البلاد؟
– مجازر يا صابر في كل مكان.. مداهمات، واعتقالات.. إعدامات بالجملة.. لكن الثوار صامدون.. الجيش يتمرد، والشرطة ترفض إطلاق النار على المتظاهرين.. قليلا من الصبر وتنتصر الثورة…
– متى ستخرجنا من هنا؟
– الليلة. إلى مكان أكثر أمنا. أجهزة الأمن تبحث عنك في كل مكان، فاسمك وصورتك على كل القنوات…
– يقولون إنك الزعيم المحلي للثورة، فقد انطلقت المظاهرة من ثانويتك.. الصحافة الدولية تبحث عنك، والأمن أطلق شائعة اعتقالك لتثبيط الثوار.. لا بد من تصريح للقناة…
استشاط غضبا…
– ما علاقتي بكل هذا! طلبت مني أن أتغيب يوما واحدا ففعلت.. أنت وجماعتك من نظم المظاهرة.. لا علاقة لي بالموضوع…
قال نضال بصوت حازم..
– أمامك أحد خيارين.. تذهب إلى بيتك ليعتقلك الأمن، وتعرف ماذا يعني ذلك، أو تتبعني وتنفذ ما أقوله لك، لمصلحة الثورة والوطن.. أمامك دقيقتان لحسم اختيارك…