محفوظه زروق تكتب عن جلسة الشاي التي خابت و”نظرات الكؤوس الفارغة”
حملتٌ أواني الشاي قبل ملابسي، والشاي خدن لا يفارقني، تربع على سلطة ذوقي من أيام مراهقتي، وإني له لقيامة عليمة، أتقن فن الإمساك بالإبريق، وطريقة إدارة الكؤوس بين إحدى الجيمات، أتقن فن صناعة الرغوة في الكأس من خلال سكب الكأس بين الكؤوس، أحمل الإبريق إلى النار وأعيده لأني في مواعيد الشاي لا أهتم إن كنتٌ أصغر الجماعة أوأكبرها… سلبتٌ الشاي جميع الجيمات كي به يطيب الحديث بين نفسي ونفسي، أذيب الهموم في أباريقه المهمشة، أداوي به جرحاً طال نزفه، وعلى أنغام كؤوسه أحلق فوق أجنحة خرافية من صنع خيالي، وإدماني عليه واحد من أكثر أنواع الإدمان. فما أحسن الشاي إذا فاحتْ رائحة نعناعه ولم تكن وعود الورگه أضغاث أحلام!
لقد كنت أظن أنني جلبتٌ من الورگة ما يكفي لسنين غربتي حين تعهدتْ بالبقاء معي وألا تنفذ حتى ينفذ حب الوطن من قلبي. واليوم وفِي موعد الشاي المحدد جهزتٌ نفسي وأشعلتٌ البخور لأكون في وضع يليق بأبهة الشاي، ومكانته في نفسي، تربعتٌ على مواعين الشاي فإذا بمخزون الورگة الذي كان بحوزتي قد نفذ! نفذ الصبر وفقدتٌ رباط الجأش لأني ظننتٌ أن علاقتي بالورگة كانت علاقة سرمدية. صادرتْ الصدمة نكهة النعناع من خلايا رأسي والبخور لم تعد له رائحة، ولم ترحمني نظرات الكؤوس الفارغة المستغربة ! ماذا أفعل وأصابع القدر تعبث بي والصدمة تأخذني إلى مشارف الجنون؟
بدأت عقارب الثواني تسير نحو مستقبل مجهول والساعة تشير إلى أنني لستٌ بخير والطريق إلى المستحيل موصود حيث من المستحيل أن أزرع الشاي الأخضر داخل هذه العمارة، وإن بحثتٌ في الغابة المجاورة عن لِحْوَيْذْگَ وتِكِفِّيتْ- وهي أشجار عظمها أهل تَگانِتْ بمنزلة رفيعة حيث تحل محل الورگة إذا نفذتْ-فمن أين لغابة le pont de Paris بأشجار تگانت؟ دخلتٌ المطبخ وغريزة شرب الشاي الغير محكم فيها تجرها الخيول فإذا بعلبة شاي Twinings تهمس في أذني بصوت خافت: أنا هنا! وتحضيري لن يأخذ من وقتك ما يأخذه تحضير أتاي الذي سلبك عقلك! اسكبي كوباً مني فالحياة مستمرة والأمور ستكون على مايرام! لكنها كذبتْ فالشاي الموريتاني لا يعوض بشاي أسود ولا أحمر قانٍ . لكني استجابة لطلبها حاولتٌ مصالحة نفسي بكوب شاي أحمر والصدمة تحرق قلبي حين أحدق طويلاً في الكوب، أطارد حلماً تلاشى فإذا بعيون تختلف عن شكل عيوني تطفو فوق سطح الشاي لعلها عيون أول مزارع صيني زرع الشاي الأخضر، وعندما غابتْ العيون شاهدتٌ السفن الراسية على مرافئ المغرب محملة بالشاي حيث لا صوت في الكوب يعلو على رغاء أباعير القوافل القادمة من الشما محملة بالشاي تتلوى كالأفاعي بين بطاح وكثبان ربوع شنقيط التي يتيه فيها السراب.
شاهدتٌ أول كأس شربته أيام البكالوريا حين بدأتْ قصتي العتيقة المعتقة مع الشاي فكانت تلك البداية لكن هل يا ترى لقصتي مع الشاي نهاية ؟