كابر هاشم.. والغربة/ عبد الله اسحاق الشيخ سيدي
للغربة ضرائب كثيرة ندفعها دون أن نقدر ثقلها، وأحيانا دون أن نشعر، إلى أن ننوء بكلكلها وﻻت حين مناص..
فالزمن ﻻ يتوقف في انتظار أن يكمل المغترب غربته ويعود، بهواه أو مرغما، ومع جريان نهر الحياة تتغير الحياة ذاتها، فتسطع أنجم وتخبو أخرى، وتتناقص أجيال وينشأ غيرها، ويبقى ذهن المغترب ووجدانه “محلك سر”، معتقدا في ﻻ شعوره أن نهر الزمن سيتجمد حيث تركه، وأن ناسه سيظلون كما كانوا؛ ﻻ عمر ينقضي وﻻ شباب يتقدم مسرعا نحو الكهولة وما بعد الكهولة.. بل إن المشاعر متغيرة ومتحولة وقد تأخذ مسارا عكسيا لدى الشخص الواحد، فكيف بمشاعر المجتمع ورؤاه!
ومن مساوئ الغربة وثمنها الباهظ، أنني خسرت فرصة المعرفة الشخصية ﻷعﻻم وشموس وطنية في مجاﻻت مختلفة، إما ﻷن تلك الفرصة لم تكن قائمة قبل أن أغادر الوطن، أو ﻷن نجوميتهم وسطوع شموسهم لم يكونا قد اكتمﻻ قبل ثﻻثة عقود ونيف..
واليوم ينتزع الموت منا قامة إبداعية وطنية برحيل الشاعر اﻷديب والمناضل الوطني كابر هاشم، دون أن يتاح لي التعرف عليه بشكل شخصي، باستثناء لقاء عابر في مناسبة عامة، خﻻل إحدى زياراتي القليلة والقصيرة للوطن طوال هذه العقود..
رحم الله فقيد اﻷدب والوطن وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وأحبته جميل الصبر وحسن العزاء..
وأنصح من لم يكتو بنار الغربة بعد، أن يتروى ويعيد النظر مرات ومرات قبل أن يقدم على اتخاذ القرار، وإن كان ﻻ بد فلتكن المدة محدودة واﻷهداف محددة، وإﻻ فإن الخسائر ستكون أضعاف ما قد يحققه من فوائد، وإن عظمت..