حديث معاد.. ماهي العلمانية؟/ عبد القادر ولد محمد
حديث معاد على ذكر العلمانية
ماهي العلمانية_بنظركم؟
سوال وجهه الي بالخاص احد رواد الصفحة الأعزاء .. و تفديرا للسائل العزيز لم اكن لاعرض عن الموضوع رغم ما سال من المداد بخصوصه خصوصا ان السؤال يقتضي علامة استفهام تستدعي ما اعرفه عن العلمانية من وجهة نظري الشخصية .. و قد كثر كما هو معلوم الكلام عن تعريف مفهوم العلمانية الذي إدي إدخاله من باب الترجمة الي اللغة العربية الي سوء تفاهم مستديم يتعذي من ضرورة اختلاق الخصوم بالمشهد السياسي في العالم الاسلامي علي وجه الخصوص .. فعلي المستوي العلمي يعتبر بعض كبار المفكرين المتخصصين في الدراسات الاسلامية من امثال جوزيف فان ايس بان المسلمين علمانيون معللا قوله بان ” علاقة المسلم بالله لا تحتاج الي وساطة الكهنة ” كما هو الحال في نظام الكنيسة ..
و للمصطلح أصوله المعروفة تاريخيا في السعي الي الفصل بين الدين والسياسة وفقا لقاعدة ما لله و ما للقيصر التي صارت تعرف بالعلمانية laïcité بالمفهوم الفرنسي او بالزمانية secularism وفقا للتعريف الانكًلوساكسوني .. و قد يكون هذا التعريف الأخير الذي يتضمن فكرة التكيف مع الزمان .. والناس ..كما يقال عندنا .. ابناء زمانهم ..اكثر دقة لوصف الانفصال التدريجي بين السلطة الدينية و السلطات السياسية في التاريخ الاسلامي و هو الانفصال الذي تجسد.مبكرا من خلال او ل تعريف سياسي لاهل السنة علي لسان العلامة المجتهد عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) بقوله ان. “اهل السنة هم الذين يرفضون الخروج على السلطان في كل الحالات و يصلون خلف ممثله مهما كانت درجة ورعه ” و قد صار علي نهجه الجمهور و خالفه الشيعة و الخوارج .. فالشيعة كما هو معلوم سعوا الي نصب امام من اهل البيت قبل ان تتحول رؤيتهم في ما بعد الي نظام تيوقراطي يكون فيه الامام هو ظل الله في الارض اما الخوارج فقد كافحوا .. قبل ان يتم سحقهم نهائيا ..من اجل تكريس نظام ديمقراطي بتم بموجبه انتخاب راس السلطة ..
و بالجملة بقيت دار لقمان علي حالها عبر القرون الي غاية نهاية القرن التاسع عشر الميلادي او بداية القرن العشرين حيث برزت ..علي خلفية الاحتكاك بالغرب الاستعماري وما نجم عنه من تغيرات جذرية في خارطة العالم الاسلامي ..للوجود . جماعات الاسلام السياسي المعاصر الذي خرج في اغلب الاحوال من بين إبط ومرفق في محاولاته الرامية الي إسقاط الديمقراطية علي الحالة الاسلامية ناسيا او متناسيا ان الديمقراطية تتضمن بعدا علمانيا لا مفر منها حيث انها تعني بالأساس ان الحكم يستمد مشروعيته من إرادة الشعب لا من احكام الفقهاء .
و يقتضي هذا الاستنتاج ان سلطة القانون تفوق ..حتما ..سلطة العلماء الذين يخضعون ..حسب معيار كل مواطن له صوت… الي مبدأ المساواة بين المواطنين .. و قد سعي أوائل الاسلام السياسي الي مصارعة السلاطين المستبدين باسم الديمقراطية الا انهم ايضا سعوا الي احتكار المشروعية الدينية لأغراضهم السلطوية و هي المشروعية التي تم من خلالها إقصاء رائد “العلمانية ” في العالم الاسلامي علي عبد الرازق بعد صدور كتابه التاسيسي : الاسلام وأصول الحكم .. وغني عن القول انه بموجب التطور الذي حصل بزماننا هذا في مواقف التيار الإسلامي السياسي المركزي بخصوص الفصل بين الدين والسياسة فانه يتعين على رموز هذا التيار الاعتذار العلني والصريح للشيخ علي عبد الرزاق رحمه الله تعالي .. بل اكثر من ذلك الاعتذار لمحمود طه الذي تم قتله ابان حكم الاسلاميين في السودان وبالمناسبة تجدر الاشارة الي ان منظر الحركة الشيخ الترابي قال وكتب ..فيما بعد …أخطر مما كتبه المسكين محمود طه رحم الله الجميع …
و ما اعرف من خلال متابعتي لنقاش الأفكار في السياق المورتاني هو ان مفهوم العلمانية ظهر موخرا بعد انهيار اليسار و تلاشي الأفكار اليسارية التي وقف ضدها أوائل الاسلاميين مع معسكر المحافظين و قد استخدموا حينها شماعة الشيوعية ضد المد التقدمي الساعي الي الانعتاق السياسي و الاجتماعي للبلد قبل ان تتحول اجيالهم الجديدة الي معارضة للاحكام في تنافس ملحوظ مع رموز المؤسسة الدينية التقليدية المؤازرة للسلطة القائمة .. و بعد دفن الشيوعية في مقبرة الأفكار السياسية ظهرت العلمانية في قاموس الإسلامين كعنوان ضروري لخصومة سياسية مع التيارات الليبيرالية و اليسارية قبل ان يتبنوا لزوم ما يلزم من العلمانية في سياق المراجعات الحالية …
و مما لا شك فيه ان مسالة العلمانية تتجه الي حسم نظري حيث ان الحركات الاسلامية التي تعتمد العمل السياسي في النظام الديمقراطي العلماني بطبعه تخلت بتفاوت عن ميولها التيوقراطية و ان التيارات الليبرالية واليسارية اعترفت و تعرف انها لا يمكنها أبدا تجاهل الظاهرة الدينية في مجتمع إسلامي..
بقي ان اقول للتوضيح ان القصد من هذه السطور لا يعني إطلاقا التحامل علي الإسلامين الذين أحترمهم كتيار سياسي له وزنه في المجتمع المورتاني و اتباع من خيرة شبابنا المحفوظ باذن الله و انما ردا علي سوال و مساهمة في إثراء النقاش حول ما يبدو لي من ضرورة التقييم التاريخي لتطور الأفكار السياسية ..المعين علي إيجاد توازن بين التصورات المختلفة للحكامة في حقل الدين الذي يعتبر من اهم محاور المجال العمومي للجمهورية .. والله ولي التوفيق .
و كتبه عبد القار ولد محمد