ابنة الصياد (2)/ الدهماء
ابنة الصياد (2)
…………….
عاشت مريم بنت اطويلب صغرها في مخيم ” مجموعة الرُّحل” أو ” GN . Groupe Nomade” ما يسمى محليا ” إفريكَ أنْصَارهْ ” التابع للمعسكر الفرنسي.. و ترعرعت على طقوس رفع العلم الفرنسي صباحا وانزاله مساء.
هذا لفريكَ له تراتبية خاصة…
مجموعات الجمالة (Méharistes)، عسكريون فرنسيون شباب، من الوحدات الفرنسية الصحراوية ، يليهم ظهيرهم من “الرماة السنغاليين” Les tirailleurs sénégalais الذين هم أساس “القوة السوداء” التابعة للفيالق الاستعمارية، وقد شاركوا في جميع الحروب التي خاضتها فرنسا في مستعمراتها ،.. ثم بعد ذلك “وحدات المشاة الخفيفة” من الموريتانيين وهم مساعدون ” Supplétifs ” متطوعون برواتب من الإدارة المدنية، ومُهمتهم محلية، سَيستقر اسمهم لا حقا على Goumies مشتقة أصلا من “القَوْم”، و منطوقة ” الكَوم “gūm ” .
يضم لفريكَ أيضا أسر كَوميات وبعض الرعاة و الحدَّادين و نساء مستأجرات لخياطة الخيام ودبغ الجلود ونسج الحصائر من “الحلفة” وطحن الحبوب ، واعداد الطعام فمعيشة الجنود السُّود كانت أساسا حبوب الدخن .. ثم جماعات من السكان المحليين تدور في فلك التَّجمع و تُقدم بعض الخدمات للفرنسين، النقل …
مع المساكنة بدأ الاحتكاك المباشر بين جنود المستعمر والأهالي.
رفضوا بداية تزويج بناتهم للجنود الفرنسيين لكن مع الإغراء و اكتشاف الامتيازات المادية والسّلطوية أذعن البعض وقَبِل… وكان الأمر أكثر شيوعا في آدرار و إنشيري نظرا لهامش الانفتاح على الأجنبي،.. لكن الأمر في أحسن أحواله لم يكن زواجا بالمفهوم الشرعي ، كان أقرب للعلاقة الحرة Concubinage ، على النمط الغربي؛
مثَّل هذا المنعرج فرصة للفرنسيين لإقامة علاقات أكثر حميمية مع قبائل البيظان.
تطوَّر الأمر مع استحكام الفرنسيين ليصبح الاستغلال الجنسي المفرط للنساء تحت وطأة القوة و العوز شائعا وعاديا… فقد أُجْبر العديد من نساء انمادي وغيرهن من قبل الجنود الفرنسيين على الممارسة الجنسية الدائمة من دون إرادتهن وهذا ما يفسر كثرة الخلساء بين انمادي والفرنسيين (صفحة 125 ، 126).
غير أنه مع اكتشاف الامتيازات والتعوُّد عليها تضاءل الإحساس بالإثم لصالح جلب المنفعة، و أصبح العُهر مسكوتا عنه في كل المستويات الاجتماعية،.. فطبيعة العلاقة الجديدة ” لإعليات أنصاره” مع السلطة الاستعمارية خوَّلت لأسرهن و لرؤساء قبائلهن الاستفادة من نفوذ و خدمات أزواجهن أو شركائهن من الضباط الفرنسيين. وبالتالي لا ينظرُ لَهن كمُومسات بل مَحْظيات لهن اعتبارهن في الحي… وقد تربطهن علاقة مزدوجة في نفس الآن مع “كَومي” من منطلق أنها مادامت قد اقتحمت عالم الفاحشة مع البيض فالأولى بها منح نفسها حقا تفضيليا في الممارسة الجنسية مع أبناء جلدتها من كَوميات!
نجم عن الوضع كَمٌّ من الأطفال البيولوجيين، استفادوا من وضع مؤسسي في الإدارة الفرنسية كأطفال غير شرعيين ( أبناء زنى)، معترف بهم كأطفال بيولوجيين ( des enfants naturels ) يتلقون بموجب ذلك منحة و إعاشة شرط تمدرسهم، كما يحق لهم حمل الاسم العائلي في حالة الإحصاء والتسجيل،.. في حين أن بعضهم لا يحمل من اسم عائلي إلا رتبة والده “المحتمل” في الجيش ،.. مثلا ” ولد شيف” ” ولد كابتين” ” ولد آدجدان” ” ولد سرجان”، نسبة مبنية لمجهول عسكري.
وبما أن الرماة السود لم تكن معهم أسرهم أصْلاً، يَسْتقدم لهم الفرنسيون مُومسات من المدينة للترفيه الجنسي ، مخصَّصات لهم ومحَّرمات على كَوميات، تُضرب لهن خيام داخل مربع الرماة، يُقمن اثنتين الى أربعة داخل كل خيمة، مع إقامة حواجز قماشية عازلة بين كل اثنتين، ويَستقبلنَ نفس العدد من الرماة السُّود في نفس الوقت، في حين تنتظر البقية في طابور أمام الخيمة الى أن يحين دورهم ، و كان الطابور يُرى من بعيد و على مرأى من الجميع (صفحة 136)،
” كان حقا ما يمكن أن نسميه … ذبحا ” ¨C’était vraiment ce qu’on pourrait appeler… l’abattage ¨ ”
و كانت المومسات الموظفات رسميا للخدمة يستفدن من متابعة طبية للوقاية من الأمراض المنتقلة جنسيا……الله يلعنهم زاد، (ذيك منْ عندْ يانَ ماهِ فلكتاب).
……………..
يتبع بإذن الله
تعليق واحد