من تونس إلى انوكشوط : عصابات تهرب علب الأدوية الخاوية وأشياء أخرى
من تونس إلى انوكشوط : مقعد شاغر لعلبة دواءِ فارغة!
في تونس لا أحد بريئ. من يتاجرونَ بالأدوية و عُلبها، حفنة من الأراذل تتبدى وجوههم القبيحة عند مدخلِ المطار في أيامِ الرّحالات، تُميزُهم بين الحشود في عيونهم الزائغة. أراذل لا ثمة لهم، ولا ضمير!
عندَ توديع مسافرٍ، أولّ ما يتبدّى لكَ في المطار تلك المرأة التي تتجّولُ في كلّ مكان، المسافرة على الدّوام، دونما تذكرة، بجوازِ سفرٍ تحملهُ في يدها، تجرّ حقائبَ وكأنّها على أهبّة الرّحيل، لكن كلّ تلك الحقائب التي تجرها ليست سوى “رسائل” ستقحمُ في بعضِ حاحيات المسافرين، ويحدثُ أن تكونَ تموراً وأدويةٌ أو علبها، وستُفرق بين العشراتِ التي تنتظر العودة بعد أن شفيت أو تم القنوط منها (حالات السّرطان أسبوعية) ولن يبقى منها شيء عندها بعد إقلاع الطّائرة. إن هذا النّوع من إكمال الواجب رهيب.
إلى جانبِ المرأة، يوجدُ رجلٌ وجهه كريه، لا تخفى عليك أفكارهُ القذرة ونظراتهِ التي تغمرُ كل شيء، وهوّ يتجولُ بينَ المسافرين، يُعد لهم أوراقهم تارةً، وتارةً يساعد بعضَ العجائزِ المقعدين على تحريكِ كراسيهم، وسينتهي هذا اللّطفُ سريعاً، عندما يحينُ الوقت، حيثُ سيُقسمُ عليهم بعض الودائع المختلفة و المشبوهة، وقد يرافقهم إلى الداخل، فجناحُ “الموريتانية للطيران” داخل المطار فوضى.
إلى جانبِ هذا السيدِ و السيدة يوجد أخرون، شبابٌ لا يقلونَ عنهم دمامةً، فهذه العصابةِ الحقيرة تحترفُ نقلَ تونس إلى موريتانيا على هيئة أدويةٍ و علبِ أدوية، و تمور، وكلّ ما هوّ ضروري في السّوق، فهم أيضاً سوق سوداء، حيثُ يتعاملون مع الصيدليات و الأفراد.
إن هؤلاء الشّباب يتسمون بطابعِ من الوقاحة غير عادي، حيثُ يجبرون في بعضِ الأحيانِ المسافرين على حملِ ما لا يعرفونه، وهم مرضى عُزل، دون حراكٍ هامدين، ولن تخرج رسائله إلى أنواكشوط عن هذه الإحتمالات السّابقة، لكن حيل أخرى توجدُ أيضاً، فهم قد يدسون في حقائبكَ ما لا علم لكَ بهِ، حتى تصل إلى انواكشوط فتكتشف اتصالاً يسألُ عن هذه الحمولة التي لستُ على علمٍ بها، حتى لتنظنَ أنك تعاملت مع عصابة تهربُ الأعضاء البشرية. مع صمتٍ مطبقِ من السّلطات التونسية في المطار..!
توجدُ حفنة أخرى من الأراذل، تحترفُ هذه التجارة الوسخة و الخطيرة، من سماسرة صغار، ينتشرونَ في الأحياء التونسية الهشّة، وهذا الصنفَ الدنيئ يفوقُ خساسة الصنف الأول من برجوازية صاعدة، كونت ثروتها بهذه الجرائم (وراء كلّ ثورةٍ جريمة يقولُ بلزاك) غير أنه لا يتواجدُ في المطار دائماً، بل أغلبُ وقته، يكونُ في المستشفيات لأنه مشغول بمريض، ويبدو للوهلة الأولى أنّ هذا الإنشغال واجب إنساني لكن سرعان ما سنكتشفُ حجم الفضائح في العيادات التونسية الخاصة، حيثُ يتفقُ هؤلاء السماسرة الأنذال مع الأطباء الذين يتولونَ بلطفٍ استقبالِ التّسديد وأبداً لن يجد المريضُ فاتورتـه، سيدفعُ للطبيب مباشرةً، وثمة نسبة تعود لهذا السمسار الذي جلبَ المريض بعيونِ مفتوحة إلى موته، عندما سيطولُ عليه الشّفاء، لكن ألم نولد -يقول بوكوفسكي- إلى مستشفياتِ الموتُ فيها أرخص من الحياة؟
وإذا كنّا مررنا سريعاً على هؤلاء السّفلة الذين يتاجرون بالأدوية و بالمرضى، مازال لدينا الوقت لنضيف عنصراً أخر للمهزلة -وإن كانت الباكتيريا الموريتانية تكبرُ على هذه الحدود- وهوّ إيجار الشّقق السّريع، الذي يهتم به غالباً الموتى المحمولونَ من أنواكشوط بالتّوقِ للذين كانوه قبل أن ينخر الألم أجسادهم المتعفنة في انواكشوط الحيِ بأعجوبة، فهّو بدورهِ تجارة، يحترفها صنف من السماسرة النّصابة، إمعاناً في التّربحِ من هذه الجنائز المتحركة، ولا يقلُ في حقارتـه عن ما سبق التّطرقُ له، حالات كثيرة، يكشفُ عنها سجلُ المرضى في تونس، أسر تتشّرد لأنّها دفعت ببلاهةٍ لنذلٍ مقدم شهرٍ أو أثنين، وقد أخذ هوّ المفتاح ليومين فقط. ليكون مصيرهم الشّوارع، وهذا حدثَ أكثر من مرة. وفي السجونِ التونسية سفلة من هذا الصنف محتالون!
الحديثُ حديثُ أليم وطويل، وكنتُ أميل لتأخيرِ الحديث عنه لحين اكتمال بعضِ العناصر، ليكون الحديثُ أشمل، لكن دفاع البعض من الأوغاد و تبريره لتمرير عُلبِ الأدوية، التي سيُعلبُ فيها الدواء المزور القادم من إفريقيا و الصين و الهند، استدعى هذا التّنبيه. ولنا عودة. عودة عنيفة!
من صفحة الشيخ مزيد على الفيسبوك
9 تعليقات