الرحالة موهوب (1)/ الكاتب “ذاكو وينهو”
اسرج حصانه وغافل قمرا قوسته تسع عشرة ليلة من الادلاج المتواصل , حجبته جوابة آفاق من سحب لا تكاد تؤنس حتى تيئس …عابرة للقرى والارياف لكنها تختفي بسرعة وقديما قال كثير عزة
واني وتهيامي بعزة بعدمــــــا تخليت عمــا بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة كلما تبوا منها للمقيل اضمحلت
… سحب رقيقة وشفافة كملاحف صبايا ليالي الصيف…لكن عشاق السرى يحبونها انخداعا لداعي الغاية …وانتهازية النهم وصاحب المشروع الميت…..
غادر موهوب مضارب قبيلته ويمم اللاوجهة محددة …عدا الحصان ملء فروجه….اشرقت الشمس …واعلمت التائه المتحمس بحرارتها الشديدة….انذرته عبر اشعة كانت تختلس المرور بين بقايا سحب الليلة الماضية التي بدا جمعها في التشتت والتلاشي كمهرجان شعبي يخطب فيه عيي والشمس في رابعة النهار..و كمصلين غالبوا الاستماع الى محاضرة في التركة بعد احدى جمع ايار..في وادي ذات الافاعي حط سرجه …وفي ظل “طلحاية” عجوز جلس واخرج من جرابه ورقة فيها مكتوب متعرج السطور كآثار نملة عرجاء…قرا ثم اخرج ادوات حلاقته وارسل على لحيته اعصارا جعلها كالحجر الصلد الاجدب بعد ان كانت غابة من شعر…اخرج سيجارة …ورحل….تمتم: صرت مقبولا بينهم ….
استقبل موهوب بحفل كبير وثناء كثير فهو الحسيب النسيب…العالم العامل..المثقف المتوقد….والجهبذ العبقري….والسياسي الواعي…….كابد كبت خواطر متفرقة ازدحمت في صدره …الجم بعسر قهقهات ساخرة كادت تفضحه وهو يسمع الثناء عليه من علية لم يحلم بان يصافحوه ….لكنه لجا الى حيلة غريبة..استحضر قطيعه الذي فقده …والذي استنتج منه ان هناك لعنة اسمها المطر …تبيد القطعان ان حبست وتقضي عليها ان ارسلت….فغلب الحزن البشارة….اطرق اطراقة المفكر الشارد في اجواء الحيرة والشك…او ان شئت اطراقة حمار يستظل ضحوة بجدار بيت خرب يخيل الى رائيه انه يفكر في ازلية الكون وابديته….لقنوه ما يجب ان يؤدي من ادوار…كالخروج من القمقم القبلي والديني والثقافي….فمن التخلف والحيف ان يظل موهوب غير موهوب يحشر فكره المتنور وءاراءه الحرة لتبقى راكعة لوثن القبيلة واله العلوم التلقينية , كما كان يفعل هو “ل اماكليف” كلما ضعفت شهيتها عن العلف …كان يحشو بطنها مستعينا بالماء وبعض الاصحاب في عملية عدوانية راحمة…غلط مرة في حديث تعبوي امام جمهور بسيط فقال : هيدال ولد الطائع ولما صوبوه صب لعناته على الدولة وعلى الحاضرين وقال همسا لا يهم كلهم سواء ….الاعيان لا يميزون بين الناس….
لم تمت في موهوب نزعته البدوية بعد , فما زال يكشف المستور , ويذيع احاديث الليل والسر…وما زال ضعيفا امام صوت الانثى ..يرمق اعجاز النساء باعين قذرة….اعطوه الميكروفون مرة ليذيع بنبرته الجهورية بعض الوعود لجمهور مختلط…..لاحظ ان جمع المؤنث السالم غالب على الجموع…فقال انه التقى “ماري تشوي والملكة جانسي تركبان باخرة زي الوان” وهما في الطريق لتمويل مشاريع نسوية مدرة للدخل…غمزه احدهم مصوبا ….فارعد الطبل وقال هكذا كان يفعل زعماؤنا المحليون من قبل…..واضاف ان بعثة طبية يرأسها “بوتن” وبعضوية “شيراك وميشل ابلاتيني ومسي وكوفي عنان ” قريبة لاجراء عمليات العين والانف ….دوى التصفيق وفاجا موهوب , فارتعش ولم يصدق ان حناجر القوم بحت بالدعاء والتمجيد….فكاد يصدق ما قال وشرع يصفق لنفسه…..
في قاعة الاستراحة علل موهوب لرفقاء البعثة الحزبية انه عمد الى تلك الاسماء ليكون مثقفا…وهو لا يعرف من تكون …حفظ بعضها من الاطفال والآخر من خصم صديقه العائد من الخارج…وقد اكتشف بعد دربة وطول مراس ان الشعب الموريتاني تسحره اسماء النصارى واستعمال الكلمات الاجنبية وان كثرة الاستشهاد بها اكبر دليل على التميز الثقافي والحظوة في امتنا الغالية…..
ثم بدا لفارسنا انه لم يخلق للسكون والقرار …وكيف يالف البدوي طول مكث في الدار….اليست الصحراء الشاسعة ميدان ترحال …ورمزا للحرية والانعتاق….
اطلق لجواده العنان … (يتواصل)
تعليق واحد