كتاب سوفي كاراتيني:”الدّوائر السبع، ملحمة سوداء” (1من 17)/ ملخصات بقلم الدهماء
أولاً ألفتُ انتباهكِ إلى أن الفرنسيين لم يلقوا بالا لعاداتنا نحن السُّود، ولا نَهُمُّهم في شيء، لم يتكلم أي منهم لغتنا، بينما تَعلَّم بعضهم لغة “البيظان”.
لقد ألهمني الله عز وجل أن أستجيب لعرضك لكتابة هذا الكتاب، بعد أن رفضتُ أولاً، أوعزَ إليَّ بأنَّ هذا الكتاب ليس مجرَّد ضربة حظ لي ولأطفالي والمنحدرين مني فحسب، بل سيكون كذلك لكل الناطقين ب “البولارية”، حيث أن الاضطرابات التي شوَّهت وجه هذا البلد، لا أحد يعرف أسبابها، سواءً هنا، أو هناك في فرنسا، مع أن لفرسنا ضلعًا في خلق الخلافات بين سود الضفة و”بيظان” الصحراء.
فعندما القوا القبض على السُّود وأرغموهم على الخدمة العسكرية عنوة، وعرَّضوهم للأعمال الشّاقة،.. شيئًا من هذا لم يمارسوه مع “البيظان” لقد استعمروهم بطريقة أخرى.. وعندما هَمُّوا بالرّحيل سلَّموهم السلطة.. أما نحن فقسَّمونا بالحدود الى قسمين يفصلهما النهر.
تعرفين تاريخ موريتانيا، لكن عليكِ أن تدوِّني ما قلتُ في هذا الكتاب لتُعلم حقيقتنا.
هذا الكتاب لنا نحن، “بيل (Peul ) موريتانيا” ، سيمنحنا من جديد مكانتنا، ويُتحدَّث عنا،.. سَيوزَّعُ في شبه المنطقة، في بلاد البيض، في افريقيا، وفي كل مكان،.. كل من لا يعرفنا،.. بدءً “بالبيظان” الذين يجهلوننا، ويدَّعون أنَّ أرض الضفة لهم، وأننا لم نولد هنا، يقول المثل الهَوْسي: « الكذبة قد تُزهر لكن، أبدًا لن تُثمر»،.. بفضل هذا الكتاب سيضطرون للتَّوقف عن الكذب، لن يستطيع أيّ “بيظاني” أن يدَّعي – ضاربًا صدره – بأن حقولنا ملك له.
ولدتُ سنة 1918 في “فوتا تورو” (من دكَانَهْ غربا الى بَاكَلْ شرقا)، ، من عِرْقِ “الهالبولارن” الذين يتكلمون “البيل” ، “البولارية” ،..
“فوتا تورو” هي المنطقة الحدودية التي تلتقي فيها موريتانيا بالسنغال، وقبل مجيء الاستعمار كانت مملكة ” لِلْبيلْ” (Peuls ) ، تتكون من تسع مقاطعات ، وتعتبر “بوكَي” عاصمة المقاطعة الوسطى ، حيث “هلايبه” ( قبائل محاربة) وهو الاسم الذي تحمل تلك المنطقة وكذلك يحمل سكانها، ومفرد “الهلايبه” يدعى “كالادْيو”.
تقع قريتي بعد خمس كلومترات شمال “بوكَي”، وتدعى “Sayé”، “سايي” ، تعمرها ثلاث سلالات: وانْيْ، سِي، و ادْيا… في الجهة المقابلة، على الضفة اليسرى ( الجانب السنغالي) توجد أسر تحمل نفس الاسم، و من نفس العرقية، و نفس السلالة وهم أبناء عمومتنا..
العدالة بالنسبة لي غير مؤسسة على المسواة بين البشر، بل على إرادة الله تعالى، لقد خلقنا الله عز وجل غير متساويين في “فوتا”، وهذا عدل، لأن الله تعالى شاء أن يكون الأمر كذلك، العائلات لديها تسلسل هرمي،.. الرجال الأحرار( المنمون، الصيادون، المزارعون) يمتلكون أراضي أكثر من المنحدرين من الطبقات الدنيا ، التوزيع غير متساوي، وهو نِتاج تاريخ كل سلالة،..
لكل اسرة من الأحرار أتباعها: فنَّانوها، صنَّاعها التقليديون، حطّابوها وعبيدها.. حتى الفنان والصانع التقليدي له عبيده.. وغالبا ما يحمل العبْدُ لقب سيده.. كان للجميع عبيدهم.. و عبيدنا أحفاد أشخص اشتراهم أجدادنا أو سبوهم خلال المعارك.
لا نعرف جيِّدا أصول العبيد، لكن على الأغلب اختطفوا من قرى أخرى…
لقد كان يحذرنا أوائلنا ونحن صغار من الابتعاد عن القرية مخافة اختطافنا من طرف “البيظان”، كانوا يغيرون علينا ويختطفون الأطفال من حواف القرية ليبوعوهم كعبيد…
أنا ابن زعيم سلالة “Wagne ” ” وانْيْ” من “هلايبه” ،.. قدمنا أصلا من شرق إفريقيا، واستقرَّ بنا الحال في “فوتا”، أجدادنا كانوا في “بانْدْياكارا” في مالي، من عائلات “باري” ومنها ينحدر كذلك ” الفولْبِي” ، ” Foulbé” وهم “بولار” البوادي.. نحن نمارس الزراعة ونعيش في القرى، هم منمّون وبدو رُحَّل، و ” الفولْبي” لهم هيْكلتهم الاجتماعية الخاصة بهم، ويعيشون على جنبٍ عنا، ولا نتزاوج في ما بيننا..
تمثل سلالة “وانْيْ” سلالة النبلاء المتعلمة الأرفع في سُلَّمِ الأحرار،… وتدعى ” Torobé ” ، “توروبي” منها العلماء ورجال الدين، والفرد منها يدعى “Torodo ” ، “تُورُوُو” ، التُّرَادْ،.
نعيش في حضن الأسرة الممتدة، في حضن رحيم.. نتلقى تربية قوامها التَّلقين الشفهي للعادات والقيم، وتثمين التاريخ وتعظيم الأمجاد.. مازالت تتردَّد في ذاكرتي أهازيج تهدهدنا بها أمهاتنا خلال الساعات الطويلة لعملهن، خصوصا منها تلك التي تخلِّد أمجاد “هلايبه” و انتصارهم الكاسح على أمير لبراكنه “سيدي إعل” ، الذي كثيرا ما كان يغير عيلهم وينْهبهم صحبة مُحاربيه.
…………………
يتواصل بإذن الله تعالى
…………………
ملخص من كتاب ” Les sept cercles, Une odyssée noire “، ” الدوائر السبع، ملحمة سوداء”، رؤية أحد ” الرماة السود” من مجتمع ” الهالبولار” الموريتاني لواقع استعمار موريتانيا، صدر سنة (2015م)، بالتعاون مع خبيرة الأنثروبولوجيا ” Sophie Caratini ” ، نشرته مطابع ” Thierry Marchaisse “، بفرنسا.