انتقام..!!!!/ بقلم الكاتب “ذاكو وينهو”
رغم جده المجدب , وحظه العاثر , استطاع محمذ سالم ان يحافظ على هندام مقبول …دراعة من بزاه (درجة متوسطة )….نعلين ينتميان الى اعلى السلم الطبقي للنعال….ساعة يد يجعلها في يمناه لانه “امعسري” وهي صفة يزعم انها للموهوبين والعباقرة….يدعي ان له صداقات واعمالا مع اجانب ….يحرص على لبس البذلة في المدينة , ويدعي انه استوردها من “الخارج” الى ان جرت سفينة دعاويه بما لا يشتهي , دخل احد اعضاء حلقته في “لخيام” عليه في حانوت لبيع “افوكوجاي” ورآه في غرفة تجريب الملابس….فبادر – وقد سقط في يده قائلا – هل تعلم يا فلان ان اللباس الجيد لا يوجد الا عند باعة الملابس القديمة , انا والاروبييون وبعض العرب اكتشفنا ذلك منذ ايام……
محمذن سالم رجل ناقم …يضمر حقدا لم تسطع الليالي الباسمة ان تمحوه من قلبه……فهو محارف مكدود , لم يفلح في حرفة …..له زاد علمي محظري وعصري لم يجلب اليه منفعة….لذلك راى ان الدنيا الحقيرة الغدارة تبخل عليه بنعيمها ….وتضن برخائها الا على الذين هم اراذل الناس وشذاذ الآفاق…كان جلاسه في الغالب يصغرونه سنا و علما ….وكانت احاديثه المسترسلة واحكامه وفتاويه التي يطلقها دون اكتراث بالدليل – لانه آمن في مجلسه من الملاحقة العلمية – تسحر هؤلاء البسطاء وهم يشاركونه كراهية اهل الحظوة والمنعمين… يرتاح كثيرا للجفاف لا نه سيقضي على ثروة خصومه …يستبشر بالاعصار اذا سلم منزله وحطم بعض منازل الحي….يفرح اذا سمع ان احد دكاكين القرية اشتعل… يتلذذ بتشويه من يرى انهم اسعد منه حظا , يتمنى ان تزول النعم عن اصحابها ويراهم غرقى بين المصائب والنقم …وكان ينتقم لنفسه باذاعة قصص يطمع ان تكب رجالا بسمت لهم الايام , – وأرته هو عبوسة وجهها- على مناخيرهم في وحل الفضائح والرذائل…
قدم ذات يوم من المدينة , بعد سفرة بائسة استعمل فيها ما أوتي من اساليب الاستجداء المدعوم بالاقذاع , اطلق لسانه يرعى في اعراض القوم .. لكنه كذلك لم يفلح فى التصيد بالسباب والارجاف….
قال محمذ سالم وقد قرر ان يأخذ بثأره ممن ضحكت لهم الحياة بكشف ما اخفته الليالي ووارته الايام , قال وهو يعرك جمله :هل تعرفون “اسليلمو” الذي يدعوه القوم اليوم زعيما , ويتسابق رجال المسجد للسلام عليه ؟ هذا كان ياكل لوحه ….كررها , لما راى الحيرة طافية على وجوه المتحلقين حوله…فتابع : كنا عند لمرابط نيفا وثلاثين نفرا , وفوجئنا ب”كتبة” اسليلمو تصبح كل يوم ممحوة من لوحه وتحل محلها آثار غريبة كأثار أخفاف الحيران على الحصباء الناعمة – ذلك ربما لا تعرفونه انتم اهل هذا الزمان – هي اذن كرسم بزاه الصين الذي يلبسه الملعون “اسويدي”هذه الايام …..فقال قائلنا ان الجن تسري على لوحه …وقال بعض ان الجن تخاف من القرآن…..هددنا لمرابط واتهمنا بالكيد ل”اسليلمو” رغم انه لم يستطع حفظ سورة البينة, حتى قال له لمرابط انت شقي , هذه السورة لا تمكث في صدور الاشقياء….رغم ذلك توعدنا لمرابط وهددنا , وكان هو الآخر خائفا من تكرار الظاهرة…..حتى اكتشفنا انه خلال ذلك الاسبوع نفد الصمغ الذي كان لمرابط يصلح به حبر الكتابة , فعوضه بقطعة صغيرة من السكر …وكان اسليلمو ينزوي بلوحه ليلحس كتبته يتحسس طعم السكر…هل رايتم هذا الحقير القبيح ؟ انه يمتلك السيارات والقطعان والفيلهات الجميلة…ومحطات الوقود….هذه ليست حياة….وهذه ليست دنيا..
وهل تعرفون “امحيفيظ” الذي يتقلب بين المناصب السامية اليوم , وتزاور عنا وتقرضنا ذات اليمين وذات الشمال ؟ انا الذي غششت له في (لبريفى) …وعند الامتحان يكرم المرء او يهان , لقد حللت له تمارين الحساب , واعربت له الجمل , وكتبت له القرآن على كمه…كان دائما ذيل الراسبين…..ولما كنا في الابتدائية كان يسبق فرق الكنس الى الفصل لياكل “عداتنا” وهي سبحات طويلة من “امبسكيت” والتمر الرديء الصلب ينظمها المعلم في خيط ويعلقها على جدار الفصل ليشرح بها دروس الحساب , كان امحيفيظ ياتي الكسرة والتمرة من اطرافهما حتى لا يبقى منهما غير الدائرة الصغيرة المحيطة بالسلك , كان شيطانا ماهرا في صنعته كنا نسميه “الفار” … هذه ليست حياة…وهذه ليست دنيا…
هل تعرفون “امزيدف” صاحب الحظوة والمقام والحوانيت على رصيف العاصمة …ويملك القصور في صكوكو وستي ابلاج … هذا الرجل أغرل..وعند الختان يكرم الرجل او يهان..عندما اكمل الشيخ محمود عمليته ….وجاء دور امزيدف صاح مغضبا :….هنو ابنكم لا تدركه الابصار , ولا تقدر عليه المناقيش…هذا بنت .. انا لا اختن النساء…فصاحت مريم السالمة مغضبة : ابني طفل نبيل ذو حسب ونسب وليس مثل هؤلاء الحمير وابناء الزنى…وانت “كاع سلال مانك من القبيله جاي بوك من انجم فسينكال”…
امزيدف يا اخواني ولد خداج…ألقته الرحم بعد ان خافت من صورته , هل ايقنتم ان الحياة اليوم غدارة فاجرة ..هذا العنين الاغرل يقيم في كل موسم عرسا تغني فيه الملاح حتى الصباح..هذه ليست حياة..وهذه ليست دنيا…لاحت الطلائع الاولى لفجر جديد ..انفض المجلس …وتفرق القوم , وانهم ليحنون الى الاستزادة من احاديث محمذن سالم…