النانه الرشيد تكتب لـ”مورينيوز” عن “إسلام الصحراء و مزاعم البعض”
حمل الصحراويون دينهم و تراثهم بصدورهم، حملوا إسلامهم نقيا رقراقا دون شوائب.. و حيث ما حلوا و مهما تعثرت حياتهم كان الإسلام الوسطي المتسامح نهجهم.
قبل أكثر من أربعين عاما، وجد اللاجئون الصحراويون أنفسهم بحمادة الجنوب الغربي الجزائري، بوادي غير ذي زرع لكنه عند شعب شقيق طائي العطايا.. و منذ الوهلة الأولى و حتى اليوم يتشبث الصحراويون بحق عودتهم للوطن، متأكدين من حتمية ذلك، ما جعل فكرة الرحيل عن الملاجئ مسطرة تقاس بها ضرورات الإقامة و مظاهر الإستقرار .
لسنوات طويلة، كانت الخيمة تكفي عن بيوت الطين، و لسنوات عديدة كان الرجال قلة بالمخيمات،معظهم بالجبهات الأمامية، لم يكن بالمخيمات غير النساء و الأطفال، لهذا كانت المدرسة و المستشفى و الإدارة أولى مظاهر العمران “المتواضع ” المرصع حمادة مخيماتنا القاحلة الرمادية .
في المخيم، وحيث وجدت خيمة شيخ مسن وجد مصلى، تهوى إليه أفئدة المحيطين به لإقامة الصلوات الخمس . بدائرة لكويرة، و على رأس التلة التي تتوسطها، ‘أقام قاضي المخيم سيد البوهالي مصلاه؛ حجارة مرصوصة على شكل نصف دائرة، تتوسطها صخرة كبيرة الحجم، يقابلها مكان جلوس الإمام .. هناك كنا نرى شيوخ المخيم و كهولته و قد اصطفوا خلف إمام صلاتهم.. و عند تلك التلة بني أول مسجد بذلك المخيم، كأن ذلك المصلى الطاهر كان حجر أساس له .
لا يمكن حصر عدد الأجانب الذين زاروا المخيم على مدار هذه العقود الأربعة، لا يمكن حصر دولهم حتى، و ليس من السهل معرفة كم من الأوروبين -خاصة- استقروا لشهور أو لسنوات بين ظهران العوائل الصحراوية، و لكن يمكن القول بكل يقين أن هؤلاء الأجانب كانوا و ما يزالون يجدون في الشعب الصحراوي شعبا مسلما متسامحا، متمسكا بدينه و عاداته و تقاليده دون غلو أو تطرف . هنا، لا مجال لأن يكون الدين مطية للوصول لأي أهداف غير مشروعة، الدين الإسلامي هنا عقيدة ربانية، غايته تحقيق صلاح الفرد و المجتمع و ضمان آخرة محمودة عند الله.
هنا، يدرك زوار المخيم الأجانب أن لهم دينهم الذي لا يجادلهم أحد فيه، و لنا ديننا الذي لا يقبل أحد المساومة عليه. هنا في المخيمات تتربع المساجد أواسطها، مساجد بناه الأهالي بسواعدهم و فرشوه بما يفرشون به منازلهم، مساجد يؤمها المصلون و بها مدارس لتعليم القرآن..مساجد بأسماء الصحابة و نساء النبي عليه الصلاة و السلام.. مساجد لا تثير إدارتها الخلاف و ليس للقائمين عليها مذاهب متعددة.. إن هو إلا المذهب المالكي السني الوسطي. لقد باءت كل محاولات عدو الشعب الصحراوي و قضيته، إلصاق تهم التطرف الديني و تصدير الإرهاب الملصق بالإسلام عنوة بالفشل، لا لأن الدولة الصحراوية تولي حذرا و عناية بذلك، بل لأن المجتمع الصحراوي بطبيعته هذه عصي على إفراخ بؤر التوتر المبني على أسس دينية مغلوطة.. فهو مجتمع جبل على التسامح و التفهم و أن الدين لله وحده و لأجل رضا الخالق و بقدر السعي لذلك يكون التدين و الالتزام به.
لقد عرف التراث الصحراوي اللامادي مثلا دارجا شهيرا :”ياسر من الجهل دون ترك الصلاة”، و يضرب من أن الانسان يمكنه أن يأتي بوائق عدة دون أن يترك صلاته أو أن ترك الصلاة جرم يؤدي مباشرة للكفر، و الجهل عند الصحراويين صفة لكل مارق عن الدين، و ما وجد مثل كهذا إلا لعظمة شعائر الله و أوامره و أساسها التمسك بالصلاة التي هي عماد الدين .
و من الصور التي تثير في النفس غبطة وطمأنينة منظر الرائحين و الغادين بين المخيمات، و قد ركنوا سياراتهم و ترجلوا ليصطفوا بالمصليات المزينة جنبات الطرق الطويلة.. و يلاحظ فعل بعض المحسنين و قد تركوا صهاريج للمياه و منهم من تطوع و غرس بجوار المصلى شجرة . و مما يلاحظ بالمخيمات أيضا أنه لا وجود لما يسمى بالزوايا و حلقات التصوف و الدراويش، و تنعدم مواسم زيارة الأضرحة أو ما يعرف “بالأولياء”، و يطلق الصحراويون إسم ” الصالحين ” على كل المقابر الموجودة بالمخيم. فمن أين إذن يمكن لمزاعم البعض حول علاقة الشعب الصحراوي بالإرهاب، و ليس بالمجتمع الصحراوي ما يثير الجدل مطلقا حول دينه و تدينه؟؟؟
النانة لبات الرشيد