آراءموضوعات رئيسية
يوميات صائم: مسلمون يهود ومسلمون نصارى!/ محمد رياض العشيري
خلصتُ في اليومية السابقة إلى أن هناك دينا واحدا أنزله الله تعالى للبشر، بيد أن لهذا الدين شرائع متعددة بحسب العصور والبيئات التي أرسل إليها الرسل.
وأنه من الخطأ أن نتحدث عن “ديانات” جاءت للبشر، والأصوب – في رأيي – أن نستخدم مصطلح “شرائع”: شريعة موسي عليه السلام، وشريعة عيسى عليه السلام، وشريعة محمد عليه السلام.
هذا الدين الواحد سماه الله تعالى “الإسلام”.
لكن مصطلح “الإسلام” يستخدم في عصرنا للدلالة على مفهوم آخر.
فما هو الإسلام اليوم؟
ربما يظن بعضنا أن هذا سؤال ساذج، لأن الإسلام معروف، وربما يقول إنه “الدين الذي أرسل به محمد عليه السلام”. وهذا ما نجده في عدد من المواقع الإسلامية، يقول أحدها:
“… هو الدين الذي جاء به النبي محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) والشريعة التي ختم الله تعالى بها الرسالات السماوية، والإسلام هو الدين الخاتم الذي لا يقبل الله من أحد التدين بغيره” (مركز الإشعاع الإسلامي)
وهذا أيضا ما نجده في عدد من المعاجم، يقول واحد منها في تعريف الإسلام إنه:
“إظهار الخضوع والقبول لما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، والدين الذي جاء به …” (المعجم الوسيط)
والمقصود بهذا المفهوم المتداول في عصرنا هو شريعة النبي محمد عليه السلام. ومن هنا نشأ خلط كبير في أذهان كثير من المسلمين، خاصة حينما يقرؤون آيات القرآن الكريم وتواجههم كلمة “الإسلام” في بعضها. فإنهم يظنون عندها أن المراد منها هو الإشارة إلى الشريعة المحمدية.
تعالوا نقرأ معا الآيات التي وردت فيها كلمة “الإسلام”، وهي أربع:
· “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (آل عمران:١٩)
· “وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (آل عمران:٨٥)
· “… الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا… ” (المائدة:٣)
· “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” (الصف:٧)
فمن يقرأ هذه الآيات من مسلمي عصرنا ربما يفهم منها أن شريعة النبي محمد عليه السلام فقط هي المقصودة بـ”الدين عند الله”. أما غيرها من الشرائع فلا. وقد يبعث هذا الفهم الخاطئ في نفوس بعض مسلمي عصرنا قدرا من التيه والغرور لأن “دينهم” هو “الدين عند الله”.
دين الله
بيد أن تفهم الآيات الأربع السابقة والسياقات القرآنية التي وردت فيها يؤكد أن المقصود بكلمة “الإسلام” فيها هو دين الله الواحد ذو الشرائع المتعددة. وقد استخدم القرآن الكريم بالفعل تعبير “دين الله” في سياق ورد فيه أحد مشتقات “الإسلام” في قوله تعالى: “أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون” (آل عمران:٨٣)
وتنص الآية على أهم ملامح هذا الدين الإلهي الواحد، ألا وهي الانقياد والطاعة والانصياع لله تعالى، كما يوضحها الفعل “أسلم”.
وليس أفضل ممن خضع قلبه لله تعالى وانقادت جوارحه له بإحسان: “ومن أحسن ديناممن أسلم وجهه لله وهو محسن …” (النساء:١٢٥)
وسينعم هذا “المسلم” أمره وقلبه وجوارحه لله تعالى بأجر عند الله في الآخرة، وبالأمان النفسي في الدنيا “بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون” (البقرة:١١٢)
ولا عجب بعد هذا أن نقرأ في كتاب الله تعالى أن أنبياء الله تعالى كلهم كانوا مسلمين، وكانوا يدعون أقوامهم إلى الإسلام، الدين الواحد الذي بعثهم به الله.
فهذا نوح عليه السلام يقول متحدثا مع قومه “فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين” (يونس:٧٢)
وهذه وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام لأبنائهم “ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون” (البقرة:١٣٢)
وهذه أيضا دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام “وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل رينا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك …” (البقرة:١٢٧)
وهذا يعقوب عليه السلام مرة أخرى قبيل موته يشدد الوصية على أولاده “أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون” (البقرة:١٣٣)
وهؤلاء حواريو عيسى عليه السلام “فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون” (آل عمران:٥٢)
وهذه بلقيس ملكة سبأ تعلن إسلامها مع سليمان عليه السلام ” … قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمانلله رب العالمين” (النمل:٤٤)
وإذا عدنا مرة أخرى إلى الآيات التي وردت فيها كلمة “الإسلام”:
· “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ …”
· “وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ…”
· “وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا…”
أدركنا أن مفهوم المصطلح فيها يشير إلى الدين الواحد الذي بعث به الله أنبياءه، وليس مقصورا أبدا على الشريعة المحمدية التي جاء بها نبينا الكريم عليه السلام، بعد هؤلاء الأنبياء والرسل. هذا الدين الوحيد هو الذي جاء به موسي عليه السلام إلى قومه، ومن آمن منهم به فهو مسلم يهودي. وجاء به عيسى عليه السلام قومه، ومن آمن منهم معه فهو مسلم نصراني. ثم بعث الله محمدا عليه السلام به إلى قومه، فمن آمن معه منهم به فهم مسلم على الشريعة المحمدية.
دين البشر كلهم واحد، ولا مدعاة للاختلاف أو الخلاف، وعلينا أن نترك تلك الخلافات إلى الله تعالى ليحكم فيها يوم القيامة “الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون” (الحج:٦٩) حتى لا نعكر صفو الوئام الاجتماعي بيننا جميعا.