“الصواب” و”إيرا”.. تحالف استراتيجي أم “زواج متعة”؟/ عبد الله اسحاق
شكل إعلان التحالف بين حزب الصواب ذي الخلفية اﻻيديولوجية البعثية (يصف نفسه بأنه “حزب قومي اجتماعي”)، وحركة “مبادرة انبعاث الحركة اﻻنعتاقية” المعروفة اختصارا باسم “إيرا” ذات التوجه المناهض للقومية العربية (والبعض يصفها بالعنصرية)، حدثا بارزا على الساحة السياسية الموريتانية، وأثار ردود فعل متباينة، بعضها منتقد مناهض، ومنها الساخر المشكك، وفيها المتحفظ المتردد، وبالطبع هناك المؤيدون، والمرحبون، فضﻻ عن الﻻمبالين أو اليائسين من الطبقة السياسية كلها أو جلها ومن جدوائية مواقفها وتوجهاتها..
ومن السابق ﻷوانه إصدار حكم نهائي على هذا الوليد الناتج عن زواج الحزب والحركة، وهل هو “زواج متعة” محدود اﻷجل والمفعول أم تحالف استراتيجي و”زواج طويل اﻷمد” وفق المذاهب السياسية المتبعة محليا، دون إغفال اﻻعتبارات الخارجية إقليميا ودوليا..
ودون الدخول في لعبة اﻷوزان والمكاييل، تجنبا للتطفيف أو اﻹفراط والمبالغة في وزن وتأثير هذا الطرف أو ذاك، فإن هذا التحالف أو “الزواج” بين طرفين كان البعض يراهما نقيضين، يعتبر تطورا إيجابيا وتحوﻻ مهما على الساحة المحلية، قد يساهم بشكل كبير في تخفيف اﻻحتقان ومخاطر اﻻصطدام الفئوي التي أوشكت على اﻻنفجار في أكثر من مناسبة، وما زالت تشكل عامل تهديد جدي للنسيج اﻻجتماعي والوحدة الوطنية.
فاﻻنتقال من المواقف الحدية الموسومة بالتطرف، إلى رؤية توافقية أو “تقاربية” بين فرقاء سياسيين مؤثرين، سيعزز اتخاذ خطوات مماثلة بين أطراف سياسية أخرى، ويوفر أجواء أكثر عقﻻنية وأقل توترا سياسيا واجتماعيا وقلقا أمنيا.
ولعل من المهم أن نشير هنا إلى أن “التناقض الظاهري” بين الحزب والحركة، ﻻ يصمد طويلا أمام نظرة أكثر عمقا وموضوعية، فكﻻهما ينطلق من منطلقات “قومية”، وإن أخذت هذه صفة “أمة” وتلك وصف “فئة”، فرابطة اﻻنتماء المشترك هي اﻷساس الفكري ومصدر الشعارات التي يعتمدها كل طرف، بغض النظر عن استعمال أوصاف من قبيل “التطرف” أو “اﻻعتدال” هنا أو هناك.
وليست هذه سابقة في التحالفات بين اﻷحزاب والحركات السياسية الموريتانية، فقد سبقها عام 2003 تحالف بين القوميين الناصريين وبين حركة “الحر” التي تعتبر اﻷم أو “الجدة” لحركة “إيرا”.. وقد تكون هذه مجرد بداية لتحالفات سياسية أخرى غير متوقعة، راهنا، استعدادا لﻻنتخابات التشريعية والجهوية المنتظرة في موريتانيا خلال سبتمبر المقبل، تحت وطأة جفاف سياسي واقتصادي – تنموي، كاد أن يشل حركة البلد بشكل عام.
لكن هذا التحالف، أيضا، قد يكون مؤشرا على تحول أو تغير في المواقف والتحالفات إقليميا على مستوى شمال وغرب إفريقيا، وعلى أكثر من صعيد دولي..
فاﻻحتضان المشبوه الذي حظيت به حركة “إيرا” خﻻل السنوات الماضية، من قبل جهات وشخصيات معلومة العداء لكل ما هو عربي أو إسﻻمي، يبدو أنه بدأ يأخذ منحى تراجعيا، ولو مؤقتا، ربما لتغير اﻷولويات واﻷهداف المرحلية، وتركيز اﻻهتمام على مناطق أخرى أكثر أهمية استراتيجية بالنسبة لتلك الجهات واﻷطراف..!
أما حزب “الصواب” فلم يكن يحظى بإجماع البعثيين أنفسهم داخل الساحة السياسية الموريتانية، كما أنه عانى طويﻻ من الحصار “شبه المحكم” على التيارات القومية عموما والتيار البعثي خاصة، منذ اﻻحتﻻل اﻻمريكي للعراق وانهيار “الدولة القومية” التي كانت داعما أساسيا، ولو معنويا، للتيارات البعثية على امتداد المنطقة العربية..
ولهذا يمكن اعتبار تحالف الحزب مع الحركة في هذا التوقيت، انعكاسا أو استشعارا لتطورات مرتقبة، بعد تراجع القتال واﻻقتتال وبدء استعادة سلطة الدولة في سوريا، وانتهاء المعارك الكبرى في العراق، وإعادة خلط اﻷوراق والتموضع في المنطقة بشكل عام..
ومهما يكن فإن تحالف “حزب الصواب” و”حركة إيرا”، يعتبر خطوة في اﻻتجاه الصحيح على المستوى الداخلي، ومؤشرا قد يحمل دﻻﻻت ذات بعد يتجاوز الحدود المحلية.. لكنها ﻻ تزال مجرد خطوة واحدة على طريق قد يطول، وتجب متابعة نتائجها وانعكاساتها المستقبلية.
عبد الله إسحاق
20 تعليقات