لمن ستصوت الكاتبة “الدهماء”؟
لمن أُصوِّت هذه المرَّة؟
لا أعرف كم من مُترشِّحٍ في دائرتي، لا أعرف أحزابهم ولا أميِّز ملامحهم، لم أسمع عن برامجهم.. لكن الأغرب أني لا أعرف من كان نائبي في السنوات السابقة ولا من كان شيخي، أعرف بالكاد تقاسيم وجه عمدتي من التلفزيون، هم في عالم ونحن في آخر،.. لا يجمعنا إلا يوم الزينة من كل موسم انتخابي.
في الاستحقاقات الماضية ، أبْكَرَ بي قطيعي القبلي الى حيث يُفترض أنه “جهتي”، وفَّرَ لي فطورا كونتيننتال في بلاقع يباب، تلقيَّتُ الإرشادات اللازمة من قريب ثلاثة أرباع أمِّي، مشحون بمسلَّمة تبيعة الفرع للأصل: صوِّتِي لفلان كنائب ولفلان كعمدة، وفلان في اللائحة الوطنية، وصوِّتي لفلانة عن لائحة النساء…أومأتُ برأسي ولم استفسر عن شيء، دليل سرعة الفهم والانضباط،.. مؤمنة بأنه انْ ضاق الكلام يكون الصَّمت أوسع..، وبأن تنويره إيَّايَ حول عمليةَّ التصويت سيكون أضيع من سراج في نهار..
لاهوت القبيلة يغرس قدسية الطَّاعة الطَّوعية لها في النفوس، ويرفع طاعتها لمرتبة الحكمة وحسن التربية،.. .. وقفتُ في الطابور في انضباط من الثامنة صباحا الى الواحدة ظهرا، فالقرية تضاعفت كثافتها السكانية ألف مرة في 24 ساعة.
وراء الستار في قسم من المدرسة البائسة، تفحَّصتُ أسماء أبناء “جهتي” المترشحين ،.. جعلتُ قناعتي سيِّدة لكن دون صدامية، لن أعين أصحاب المقامات المالية على البطالة المترفة في البرلمان، تابعتُ تصفح البطاقات الى أن لاحت في عتمة الزحمة المقاتلة الشرسة المعلومة بنت بلال عن اللائحة الوطنية لنساء عن حزب التحالف الشعبي التقدمي ( كوكتيل مسعود والناصريين)، أشَّرتُ فورا، طويتُ البطاقة بعناية فهي تحمل دليل خيانتي للقطيع الذي ما زلتُ أتجشؤ فطوره الملكي،.. وضعتُ بقية بطاقات التصويت على الأرضية برفق وأدبٍ فهي تحمل صورا لقربى تستحق علي الإحترام، أودعتُ الصندوق قناعتي وخرجتُ.. كانت تلك المرة الثانية التي أصوِّتُ فيها للمعلومه بنت بلال، التي لم تجمعني بها إلا مشاهدات أحيانا لصوَّرٍ باهتةٍ للبرلمان على قناة الموريتانية.
تركتُ لها أمر التَّصرف في صوتي وعلَّقتُ عليها الأمل في إبقاء لسانٍ يبث على موجة غير مهادنة في البرلمان يُدافع عن الفروقات الاجتماعية،… والأمل طبعا دجَّال كبير ومجلبة للصداع.
كان في برنامج القطيع القبلي أن نتناول الغداء قبل العودة من حيث قدمنا.. استأذنتُ في التَّعجل فضميري لا يسمح لي بأن أتناول وجبتين على حساب قطيعي وقد خنته وراء الستار.. فذلك لؤم واستغلال إضافي لأصحاب النوايا الطيبة من ذوي الرَّحم..
الخيام فسيحة والزرابي مبثوثة، ورائحة المشاوي تفتح شهية الميِّت، سخاء طائش وسفه في الإنفاق،.. لكن لا بأس فالتعويض سيكون من جيب الأمة التشريعي.
في رحلة العودة الطويلة المُملة سألتني رفيقة رحلتي التي لا تأتمنني على التصويت، هل انتخَبتِ؟… طبعاً، أعطيتُ صوتًا واحدًا… لمن؟…للمعلومه بنت بلال … ردَّت: هاذِ هيَّ غيْبِت اجّنْ حكَ!
ما زالتْ لديَّ طاقة لخيانة قطيعي القبلي لصالح قناعاتي، لكن حتمًا لن أخونه هذه المرة لصالح المعلومه بنت بلال،.. إني أراها تغوصُ في وحل الشرائحية،.. أحيَتْ يأسي من المنتَخَب، وذكَّرتني برذائل السّياسة، وخذلت صوتي هذه المرة…
طبعاً.. إذا أدْبر الدَّهر عن قوم كُفِيَّ عدوُّهم أمرهم،.. وقد كُفيَّ السَّاموري أمر مسعود، وكُفي “آخرون” أمر الناصريين..
في موسم التحالفات السّافرة، تتطلب المأمورية البرلمانية الثالثة من المعلومه على ما يبدو الارتماء في خطاب جديد من العاطفة الشرائحية ، لترفع مقامها درجة أو اثنتين على سلم التَّسخين، شحنة من حماس القاعدة تطفو بها على حطام النضال السابق. فالتحالف الشعبي لم يعد يُومن بوجود ممارسة للعبودية… وذاك امحالي فلنتخبات.
تعليق واحد