إلى من أشتكي هذا التخلف السلوكي؟/ الكاتبة مخفية الاسم “الدهماء”
التَّخلف السّلوكي .. اشتكيه لمن ؟…
……….
التَّمدّن ضرورة للعامَّة قبل أن يكون ابريستيجا للخاصة.
……….
الذَّوق العام ، أحد وسائل الضبط الاجتماعي المُهمة، و من العثرات التي نجرجر معنا الى اليوم، غياب ضبطٍ مُتحضِّرٍ لحرية السلوك الاجتماعي الفردي في المجموعة،..
بمعنى آخر: كيف أضبط سلوكي وردود أفعالي في محيطي من الأشياء والأشخاص، وأمارسها في مهارة، بحذق وفطنة تضمن لي وللآخرين احترام الشَّراكة في الحضور والراحة النفسية في التَّعايش.
القواعد الاجتماعية المَرْعيَّة اليوم تتصدَّر مقاييس الرُّقي والتَّمدن، وأغلبها أصبح من الفضائل العَّامة التي يقع عليها اجماع أمَمِيٌّ ضمني،..
نحن في هذه الربوع – الخاصة جدا – لا نمتلك موازين للقياس ولا نبذل جهدا للانضمام لهذا هذا الإجماع! …لماذا؟
هناك تصرفات صغيرة تافهة، تُنغِّص علينا أحيانًا، تُزعجنا، وتزيدنا نفورا من بعضنا،.. والمؤسف أنها على تفاهتها تطيل إقامتنا في عالم التَّخلف.
شخصيا يزعجني كثيرا التفريط في بعض المرعيَّات المدنية البسيطة جدًّا، والتي أصبحت من مُسلَّمات السلوك البشري،… لا أقول تزعجني فقط بل تدفع أعصابي أحيانا للانسلاخ القهري من الصَّبر والهجرة القسرية الى التَّقزز والاغتراب النفسي.
هل منكم من يشاركني هذا الإحساس، ويتعطَّش لبعض الوعي السلوكي في حياتنا؟..
مثلا:
– علاقتنا بالصَّوت غير مريحة،.. فإمَّا الصَّخب في الكلام بتعصُّبٍ كروي، والضَّحك والتَّصايح في الأماكن العامة و حتى في التَّعازي، والمُطوِّلات المسموعة من المُحادثات الهاتفية،..، .. أو التَّهامس المريب والإيماءات الوقحة في المجالس، …إن من أكثر مظاهر التَّمدن ظهورا على الإنسان العصري هو دُنوُّ الصَّوت َوَوقاره، بحيث يقتصر على المقصود بالحديث،.. والمُستمع الطَّيب من يترك لمحدثه فرصة الكلام.. نحن لا نُنصت!.. نحن نتصارخ على بعضنا كالمفزوعين. أو نتهامس كالمخبرين.
– سوء تسيير مواعيد الدَّعوات،.. فدعوة عند الساعة الثامنة مساء، قد ينتظر ضيوفها تقديم مائدة باردة عند الساعة صفر ليلا، لأن البعض سيحضر حسب مزاجه ،..
– التعامل مع الطّعام بشراهة تلامس الوحشية،.. المضغ بفمٍ مفتوح يجبرك على متابعة الطحن على الهواء،.. التخلص من العالق بين الأسنان ووضعه بين يديك، التجشؤ الكريه، تنظيف الأصابع في البساط أو ملامسة البساط بالرِّجل،…تبًّا.
– التَّمخط والتَّنقيب في الأنف، والبصق العشوائي،…تُعساً
– استخدام مُستهجنات الحديث، والتَّفحُّش في الكلام وكشف الحميميات، والتَّراشق اللفظي الجارح على سبيل المزاح، في “بعض” المجالس العمومية خصوصا منها النسائية وبحضور شرائح عمرية متباينة..
– الفظاظة والأنفة الكاذبة وتصنُّع المهابة، وفي المقابل المرح والترويح المبتذل …
سيبقى التواضع لبوسا أنيقا وجذابا للفكر وللحديث.
– بعض الحركات الذاتية غير اللائقة،.. يضّجع أحد المتأنقين مثلاً، مُنفرج القوائم وقد أخذ راحته، ينشد التَّركيز على حديثه وهو يعبث – من حين لآخر – ببعض أشيائه المُغلَّظة في مجلس فيه نساء و فتيات،.. ولا يُلقي بالاً!.. انتبهوا أعزَّائي الشباب، هذا التَّصرف، لا يخدش الذوق فحسب، بل يخدش الحياء و يعيد للبدائية…
ينقصنا أن يُوِرق تماسّنا الاجتماعي ببعض المُجاملات المدنية المُشاعة،.. لمسات متداولة حتَّى بين أطفال الرَّوضة في أصقاع المعمورة،.. من قبيل شكرا، من فضلك، لو سمحت، العفو…
المجاملة فن رفيع من الإرضاء واللباقة واللياقة،.. لا تعني أبدا، لا النِّفاق ولا الانقياد الرخيص في الخير والشر وراء الآخرين كما يفهما البعض في قصور،.. المجاملة تنمية للاهتمام بالآخر، وترجمة سامية لحسن المعاملة وحسن المقابلة وحسن الحديث،.. المجاملة الإيجابية، ذروة مراعاة آداب المعاشرة بين الأشخاص في الشعور والأماني والحقوق…
لا يمكن أن نظلَّ أسرى لسلطان نهج غابر من السلوك الاجتماعي المتحجر المتخلف.
79 تعليقات