كل الطرق تؤدي إلى الموت \ أحمد سيدي
لا يكاد يمر يوم في موريتانيا دون أن تطالعنا المواقع الإخبارية، والمستخدمون لمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة بخبر يتصّل بحوادث السير.. عشرات الحوادث ومئات الوفيات وآلاف المصابين بجروح بالغة، تترك غالبا عاهات دائمة.
الصور القادمة من هناك تفوح منها رائحة الموت، وتعاسة المشاهد المؤلمة التي نراها كل يوم جعلتنا نفكر أكثر من مرة قبل أن ندخل ذلك العالم الأزرق، الذي يرمي في وجوهنا أشلاء الضحايا، متطايرة على جنبات الطرق كنتيجة حتمية لكل حادث سير.
عدد الوفيات المخيف، وحجم الألم الذي تخلفه بشاعة المشاهد، وما تحصده هذه الحوادث من أرواح أبناء وطننا، أكثر من ضحايا الحرب والأوبئة والكوارث الطبيعية في أماكن كثيرة من بؤر الألم والبؤس المنتشرة في كل زاوية من هذا العالم.
نفقد عزيزاً كل يوم والنظام العزيز يتفرّج:
قبل حوالي شهر من الآن سقطت شاحنة على سيارة صغيرة على طريق “الأمل” أو طريق “الأجل” كما يسميه البعض.. وما زالت تلك الصورة المؤلمة للسيارة التي سحقت الشاحنةُ نصفَها، وابتلع الكثيبُ نصفَها الآخر، ليلفظ ركابها أنفاسهم الأخيرة بعد طول انتظار لفريق إسعاف لن يأتي أبداً.. جعل الله مثواهم الجنة.
وقبل أيام سقطت شاحنة أخرى على سيارة بذات الحجم على طريق نواكشوط – نواذيبو، وكان الصورة بذات البشاعة، وراح سائق السيارة ضحية الحادث المؤسف.. رحمه الله.
وخلال الساعات القليلة التي تلت ذلك الحادث، فقد العشرات أرواحهم في حادثين مروعين، ما تزال صورهم متداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي.. تغمدهم الله بواسع رحمته.
وفي الأشهر الستة المنقضية من هذا العام راح الكثيرون ضحية حوادث مشابهة على مختلف الطرق، وخاصة طريق (الأمل) وطريق (انواكشوط – روصو) الذي يربط شمال إفريقيا بغربها.
وخلال العام 2017 ارتفعت حصيلة الوفيات بسبب الحوادث المرورية بنسبة 246% مقارنة بحصيلة العام 2016، حسب إحصائية نشرها موقع “الأخبار إنفو” بتاريخ 24 يناير 2018.
وأشار الموقع ذاته إلى أن عدد الذي قضوا نحبهم نتيجة حوادث السير في العام نفسه بلغ 443 شخصاً، وهو رقم مروّع، والنظام العزيز يتفرج.
من المسؤول؟
من يشاهد الحالة المزرية التي وصلت إليها مختلف الطرق التي تربط بعض الولايات الداخلية ببعضها، وتربطها جميعا بالعاصمة نواكشوط، يدرك أن مرتكب كل هذه الجرائم، أو المساهم الأكبر في ارتكابها، هو تلك الطرق المتهالكة التي تنتشر على طولها حفر الموت فاغرة أفواهها لحصد المزيد من الأرواح. هذه الطرق التي يطل علينا بين الحين والآخر أحد المطبلين للنظام مشيداً بما أُنجز منها في عهد النظام الحالي، غير أنها إشادة بددها التصنيف الصادر عن “منتدى الاقتصاد العالمي” للعام 2017 – 2018، ذلك التصنيف الذي احتلت فيه موريتانيا المرتبة الأخيرة بين جميع دول العالم التي شملتها دراسة مستوى جودة الطرق.
ومن يشاهد السرعة الجنونية التي يسير بها سائقو الباصات الصغيرة وسيارات النقل بين العاصمة والمدن الداخلية، يدرك أن كل واحد من هؤلاء مشروع فقيد، وأن الركاب الذين يتجاوزون الـ 10 في غالب الأحيان مشروع فاجعة.
ومن يعلم أن النسبة الساحقة من السائقين في موريتانيا حصلوا على رخصة السياقة بطريقة غير قانونية عبر دفع ثمنها لأحد السماسرة المنتشرين بين برص السيارات ووكالات تأجيرها، يفهم أن لهذه المأساة ما يفسرها.
وبالعودة إلى الحالة المزرية للطرق نُحمّل النظام مسؤولية ما وصلت إليه، فهو المسؤول الوحيد أمام الشعب عن إعادة بناء شبكة طرقية تحفظ أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
وبالعودة إلى تهور بعض السائقين نحمل المسؤولية كاملة للنظام، فهو المسؤول عن ضبط السرعة المعقولة على مثل هذه الطرق، وإيقاف هؤلاء الانتحاريين عن السير بمثل هذه السرعة، التي تهدد حياتهم، وحياة الركاب على متن مركباتهم، وحياة غيرهم من سالكي الطريق.
وبالعودة إلى انتشار رخص السياقة المزورة، نحمل المسؤولية كاملة للنظام، فهو المسؤول الوحيد عن منع انتشار هذه الرخص المزورة، ومعاقبة المتاجرين بها على مرأى ومسمع من الجميع.
تعليق واحد