الإتقان والإخلاص في رد الاعتبار لامبطاص / الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير
لا تكاد تقرأ صفحات الفسابكة الموريتانيين المبجلين إلا وصادفتك عبارات لا تخلو من سخرية وتنقيص وغمز ولمز من قبيل “أحزاب امبطاص”، و”سياسة امبطاص”، و”نخبة امبطاص” و”مدونو امبطاص”… وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن الأحزاب أو السياسة أو النخبة أو المدونين فإن للبيت ربا سيمنعه، وإنما بصدد الدفاع عن “السيد امبطاص” الذي سيق ظلما إلى معارك لا ناقة له فيها ولا جمل، وأتي به كرها إلى فضاء لا علاقة له به. ولنتفق على تسمية هذه التدوينة بالعنوان التالي: “الإتقان والإخلاص في رد الاعتبار لامبطاص”.
نعرف جميعا أن “امبطاص” يطلق عليه في الفصحى البطاطا الحلوة أو الفقاس الهنديّ، أو البطاطا السكّرية، وهو أحد أنواع النباتات التي تنتمي إلى الفصيلة المحموديّة. وقد جاءت كلمة امبطاصْ إلى لهجتنا الحسانية من اللهجة الولفية وهي إحدى اللهجات الإفريقية المستعملة في موريتانيا، كما تستعمل بشكل عام عند سكان جارتنا الجنوبية السنغال. فهم يقولون لهذه الثمرة “باتاس” كما ورد في الصفحة 276 من المعجم الولفي الفرنسي لجان ليوبولد ضيوف.
وقد ورد ذكر امبطاص في المساجلة الشهيرة التي تركزت على العادات الغذائية واختلافها بين مناطق بلادنا، وهي مساجلة بين الأديبين المجيدين النابهين: امحمد ولد هدار والعميم رحم الله الجميع، وقد قال الأخير في تلك المساجلة:
خلي عنك الاخبار اتڮل ۞ امبطاص أكيل اغْرمان
والڮرزيم أكيل أهل البل ۞ والذانونْ أكيل الرعيان
ومع أن العميم رحمه الله قد استعمل امبطاص في سياق التقليل من شأنه كما يحدث اليوم مع الفسابكة؛ حيث جعل أكله عادة غذائية لمجموعة إغرُمَّانْ وفي ذلك فيما يبدو تنقيص من شأنه. ومن المعلوم أن إغرمان جيل جاء لبلادنا في بداية القرن الثامن عشر من جنوب المغرب، وجاء تحديدا لمنطقة الترارزة ضمن ما عرف حينها بمحلة اعلي شنظورة الشهيرة، وما لبثوا أن استقلوا بأنفسهم عن إمارة الترارزة وعن الأمير اعلي شنظورة نفسه، وأقام بعضها في فوتا بجنوب موريتانيا وارتحل أغلب هذا الجيل منتصف القرن الثامن عشر إلى السنغال وصاروا يعرفون هنالك باسم “اغرُمَّان”، وهو تحريف للفظ البربري: “أغْرُمَّنْ”، أي الرماة الصغار، فـ”أغْ” تفيد التصغير في البربرية، و”رُمَّنْ” هم الرماة وهم تلك الجيوش التي كانت ترد إلى هذه البلاد من المغرب في أزمان سابقة مثلما حصل حين تملك الرماة على تمبكتو وغيرها من مناطق الساحل الإفريقي في عهد ملوك السعديين. والبعض يجعل “اغرُمَّان” تصغير كلمة “أورْمينْ” أي الروم في كلام أزناگه وهو غير دقيق، والبعض الآخر يجعلها تحريفا للفظ “الجرمانت” وهم جنس بشري قديم في شمال إفريقيا وهو تأويل بعيد لا داعي له ولا علاقة له بإغرمان. ومن شخصيات أغرُمّانْ المشهورة: برثام الإغرماني الذي أرهب سكان منطقة الترارزة سنة 1730 فجازَ النهرَ شمالا مشردا وناهبا فهربت ساكنة المنطقة من أمامه كما ذكر محمد والد بن خالنا الديماني رحمه الله في نظمه. قال محمد والدْ:
أما وفاة الشرقي حامي الشرع ۞ فبعدَ ذاك يا له من فرع
إثرَ ثلاثةٍ من الأعوامٍ ۞ عام فرار الناس من برثام
وبرثام المذكور من إغرمان كما ذكر غير واحد. وفي سنة 1854 صالت سرية من إغرمان على أجزاء من منطقة الترارزة ونهبوا ما انتهبوا من إبل وبقر وشاء، كما ذكر ابن حجاب الديماني رحمه الله في تاريخه عند حديثه عن حوادث عام 1270 هجرية أي 1854 ميلادية، قال ابن حجاب:
وفيهِ ايضًا وقع الدخانُ ۞ ونهبَ الأنعامَ أغرمَّانُ
وذلك أثناء الحرب بين الأمير محمد الحبيب والجنرال فيديرب وكان ذلك آخر ذكر لهم في التواريخ المحلية؛ حيث ذابوا مع الزمن في المجتمع السنغالي.
ونعود بعد هذا الاستطراد إلى موضوع امبطاص فنقول إن له فوائد لا تحصى فقد أودع الله فيه أسرارا صحية منها أنه يقلّل احتماليّة الإصابة بالالتهابات المختلفة مثل: النقرس، والروماتزوم، والربو وغيرها. ومنها محافظته على صحّة الجهاز الهضميّ، ومنها أنه يحد بإذن الله تعالى من احتماليّة الإصابة بسرطان القولون؛ ويُحافظ على صحّة القلب والرئة عكس السجائر والتبغ. وامبطاص مساعد في نمو الطفل، ويخلّص البشرة من الخلايا الميتة، ويضبط نسبة السكّر في الجسم؛ ويُعزّز الجهاز المناعيّ، ويحافظ على صحّة العضلات.