فضول …/ ذاكو وينهو
كثيرا ما يثير فضول تفكيري التمعن في بعض الاساليب والمسلكيات النابعة اصلا عن الضعف العقدي وترسخ الفكر الاسطوري في مخيلتنا الثقافية …..هنات لم تقدر آلة صقل الدين المتوفرة والمتعددة والمتحصنة بالمرجعيات الصحيحة , ان تزيلها بعد , حتى نرى عقولنا وافكارنا ناصعة قد تطهرت من ادران التخلف الفكري وتشويش المصادر ….
ظاهرة الخوف من العين امر مبرر…فالعين حق ..والله انها لحق ….تدخل الجمل القدر والرجل القبر…..لكننا افرطنا في الغلو ….واستسلمنا لضعف عقلي إيماني غريب على امة حررت العالم من الوثنية والتخلف وحيوانية التامل والتحليل…
فظاهرة القزع – وهي امر منهي عنه شرعا – ظلت الى وقت قريب منتشرة في مجتمعاتنا …ما زلت اذكر انواع الحلقات وكنت من اصحاب تلك الاشكال: “العرف” وهو ترك مقدمة الرأس مرسلة..”التبيب” ترك حزام منصف للراس غير محلوق …”الكطاي”.وهي ترك خصلة تمثل نقطة وسط الرأس طويلة ..”الكرن”: ارسال خصلة كقرن الثور من احد جانبي الرأس ….”النباحة”.وهي طاردة الجن تنبح البلاء…وهي ترك منطقة استقرار الراس على الرقبة من الخلف دون حلاقة وقد تتعدد النباحات ….و”الزر” وتعني حلق نصف الراس فقط…..كل هذا لصرف اعين الناس عن استحسان الاطفال الذكور في الغالب..خوفا من ضرر العين…
اما المرأة فتلجأ الى وسيلة أخرى لرد العين عند النفاس….هي رسم مساحات سوداء على وجهها اما بترسبات الدخان اسفل المراجل ايام كان الطبخ على الحطب , واما بغبار الفحم ….حتى لا تعان اذا لم تظهر عليها امارات الضعف جراء النفاس , لان الاصل ان تظهر عليها علامات المرض من آثار الولادة…
الخوف من العين اوجد ظاهرة الكذب “المباح” … لا نعني فقط اخفاء الامتعة المكشوفة امام الزوار ..بل ردود امهات الاسر على رسل بعض الجيران – خصوصا المدمنين على الطلب – الذين يلتمسون سلف بعض الارز او السكر مثلا , فتحلف الام بيمين عظيمة ( والله يالتالي عندن ال استعملناه سابك امجيك اشوي ) , والله لقد نفد ما كان عندنا قبل قدومك بقليل او (عجيب مشين عند هاذ الا اعطيناه ظرك لهل افلان) واحسرتاه لقد اعطينا آخره لاهل فلان الآن (ما عندن ال لا ج فلعين اغرقره) ليس عندنا ما يسيل دمع العين ان دخلها….هنا ابداع غريب في المبالغة , تعبير عن التناهي في العدمية …وكثيرا ما يفضح الاطفال كذب امهاتهم فيقولون ( عندن بعد ذاك فالصندوك) يوجد عندنا الارز والسكرفي الصندوق يا امي , فتلف الام اظافرها الى الطفل وتغرسها في فخذه معاقبة له على صدقه…وقد لا يكون الدافع بخلا بالمادة بل خوفا من العين , كأن يقول الناس : زاد اهل فلان كثير لا ينفد بسرعة او الخوف من فتح الصندوق امام الرسول تجنبا لرؤيته المتاع….
هناك ايضا اللغة الجاحدة , فنحن نعبر عن غزارة لبن البقرة بقولنا (ابجغمته) و(اجغمه) في لغتنا كمية قليلة لا تملأ الشدقين, وعن غزارة المطر بقولنا (ج رش بعد) و(الرش) عندنا قطرات خفيفة لا تغطي سطح الارض , اذا سمعت هذه العبارة من بدوي اصيل فاعلم ان طوفانا اغرق الانجاد والوهاد…..واذا اردنا ان نعبر عن غنى الرجل قلنا (ابطشة…بنحيسة) ف(الطشة) القطعة الصغيرة من الشيء , و(انحاسة) قطعة نقدية وجاءت مع ذلك مصغرة , وبعد الحصاد اذا قال الفلاح عبارة ( اجبرت هبزه ) و(الهبزة حفنة اليد )فاعلم ان الزرع حاصره وغلبه , وان بيادره ضاقت بالمحاصيل…ولك ان تلاحظ صيغ القلة في تلك العبارات كلها…..
وهناك ظاهرة بخل لغوية لا تقل غرابة عما سبق , هي رياضيا كالتعبير عن 1 ب – (-1) أي على طريقة (نفي النفي ) إثبات , فبدل ان نقول هذا كبش سمين نختار عدم الرضى , واسلوب الجحود فنقول (ما خاسر اعليه ش ) وحتى اذا عرضت على احدهم اكراما : دراعة راقية …سيارة …مليون اوقية سيقول لك (ما يخسر ش) اذا طبقنا القاعدة الرياضية ف( ما) تمثل اشارة (سالب) و(خاسر) تفيد السلب , فحصل الاجابي لكن بالمرور على السلبي…وينتشر هذا الاسلوب في عبارات مثل : (ماهو شين) بدل جميل , و (ماهو امحيلي) بدل سخي , (ماهوراخي) بدل جيد (ماهو ابعيد) بدل قريب , (ماهومحال) بدل متيسر ومتوفر جدا….ومن ذلك عبارة (لباس بيه) أي لا باس به , وهي تفيد دلاليا تعبيرا عن مستوى يتجاوز قليلا مستوى مقبول , لكن اذا قالها لك احدنا فمعناها : باهر…رائع…ممتاز. …اما قمة البلاغة في التعبير عن تمام الرضى والاستحسان فبقولنا : (فلان افك من باس العين) اي انه متميز , او تلك الناقة (خايفه من العين) اي ان لبنها كثير….