قصة من وحي الخيال لكنها مؤلمة وتحدث../ محفوظه زروق
أكتبٌ لكم هذه الكلمات من داخل أروقة المحكمة العليا وأمام قاضي شؤون الأسرة حيث تترجم عواصف الخصام المشاعر الصادقة إلى ضغينة لا يكتوي بنيرانها غير لحم الأطفال الطري.
لا أعرف كيف أكتم صرختي والقاضي أمامي يسألٌ أطفالاً، يغمض كبيرهم عينيه بقوة وهو منكسراً ويقول: ماذا تريدني أن أقول وأنت تجعلني في موقف يٌحتم عليّ الاختيار بين أمي وأبي ؟ يا سيادة القاضي أنا لا أعرف شيئاً! كلما أعرفه أن أبي في السنوات الماضية كان كثير الغياب عن البيت وقد جاء يوما ليطرد أمي منه ثم امتنع عن دفع النفقة ليجمع مالاً كثيرا ليستطيع الزواج من فتاة في عمري، تلك الفتاة التي نصحته بأن المصروف اليومي يفسد أخلاقنا ويساعدنا على التدخين! كلما أعرفه يا حضرة القاضي أن أبي انتزع سيارة أمي بحجة أن أوراقها على اسمه وقدمها هدية لزوجته الجديدة لتكون ثاني سيارة أمام بيته ونحن نتنقل إلى مدارسنا بدون سيارة مما جعلني أجتمع باخوتي ونتفق معاً على التوقف عن الدراسة بعد أن كنتٌ في الجامعة و إخوتي بين الثانوية والإعدادية الأمر الذي جعل الدمعة تسكن جفن أمي كل يوم وهي تحاول عبثا إقناعنا بأهمية الدراسة في مستقبلنا ورغم أن أمنا قطعة منا لكن الأمر إنتهى واتخذ القرار! والأمر الذي لا أعرفه لماذا أبي رفع الدعوى ليأخذنا من والدتنا ليعطينا لمنظمة تقوم على تربية الأطفال! مادام لا يريدنا عنده فلماذا لا يتركنا مع أمنا بسلام؟
وقفتْ سيدة أربعينية تدلي بأقوالها خلف محام الدفاع الأشقر الذي تحتمي به من ظلم رجل لو أنصف الدهر لأحتمتْ به من غدر الزمن وقالتْ أنه ابن عمها وابن خالها ولا تصدق أن يكون هو المدعي وهي المدعى عليها وأن يتخاصما أمام محاكم الغرب! ثم أضافتْ: إنني يا سيادة القاضي لا أستطيع أن أعتبر خصماً من تربطني به روابط الدم وروابط العشرة وكنتٌ أعتبره يوما من الأيام جزءاً لا يتجزأ من حياتي، تزوجني لما كنتٌ قاصراً وأنجبتٌ منه جميع أبنائي قد يكون من حقه وهو في أزمة الخمسين أن يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء لكن ما ليس من حقه أن يضيع حياتي وحياة أبنائي! فإن كان يريد مالا لأعطيته جميع مالي لكنه يريد أفلاذ كبدي لا لشيء إلا ليؤلمني يا سيادة القاضي وإني لأطلبٌ من المحكمة الموقرة إنصافي وتسليمي أبنائي وليتركني هذا السيد أعيش وإياهم بآمان! وعندي أشياء كثيرة لأقولها لكن الوضع محرج ومخجل ولا أريد أن أطيل في الكلام!
وقف رجل خمسيني يتضح من هندامه أنه ثري بينما يتضح من خلال حفنة محامي الادعاء-التي تحيط به في مواجهة قريبته وأم عيّاله- أنه عاري ويداه تعبثان بربطة عنقه في انتظار سؤال القاضي: ماهو ردكم على كلام السيدة حرمكم؟ هذه ليستْ سيدة وليستْ حرمي و ما ندمتٌ على شيء أكثر من زواجي منها وأنها أم أبنائي … أوقفه القاضي قائلا: لا تنسى أنك في محكمة رجاءً! قال: عفواً! لكن هذه الملعونة الواقفة أمامكم يا حضرة القاضي ليستْ أماً ولا تستحق أن يكون لها أبناء بعدما تزوجتْ من رجل غير أبيهم! قال القاضي: لكنك طلقتها وصار من حقها أن تتزوج كما تشاء! قال: الرجل عندنا إن طلق أم العيال عليها أن تنتظره حتى يدور على غيرها من النساء ثم يعود إليها وهي لم تنتظر إلا شهور العدة لترتمي في أحضان رجل أخر الأمر الذي دفعني إلى الزواج بسرعة دون اقتناع وتفكك بيتي وتشرد أبنائي! أنا لن أسامحها، سأدمرها، سأجعلها رماداً … وأرجو أن يمتد بي العمر حتى أشاهدها تدفن أمامي ! أوقفه القاض لينطق الحكم باسمه راجلا لا باسمه قاضي وقال: حكمتْ المحكمة حضورياً على فلانة بإسقاط الحضانة والتعويض المادي لصالح فلان رفعتْ الجلسة!
سامحوني إن لم أَجِد في جعبتي الْيَوْمَ أصدق من هذه القصة رغم كونها من وحي الخيال لكنها محتملة في أي زمان ومكان وضحيتها دائماً أطفال أبرياء ورأيكم فيها يهمني أيها القرّاء الأعزاء!
97 تعليقات