كيف يمكن لموريتانيا أن ترد على الولايات المتحدة؟
من المؤكد بأن إعلان الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترامب، عن عزمه إنهاء أهلية موريتانيا للاستفادة من نظام الأفضلية التجارية بموجب قانون النمو والفرص في إفريقيا المعروف بـ (AGOA)، ابتداء من فاتح يناير 2019، سيؤخر بلا شك إمكانية وصول بعض صادراتنا المحتملة إلى السوق الأمريكي العملاق، الذي تطمح إليه العديد من الدول الأخرى، نظراً لمزاياه الكثيرة من حيث الربحية والاستدامة. وهو ما يشكل خسارة لا مراء فيها لبلادنا على المستوى الاقتصادي والتجاري.
لكن الجانب الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لموريتانيا، في القرار الأمريكي، إنما يتعلق بجانبه السياسي. والواقع أن هذا القرار، ضمن السياق الحالي لفترة ما قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، يأتي ليهدد بإضعاف بل ونسف كل المكتسبات في مجال حقوق الإنسان التي تحققت على مدى العشرية الأخيرة، لا سيما في مجال مكافحة الاسترقاق وآثاره المختلفة، وكذا الحريات الفردية والجماعية، وخاصة على مستوى تمكين المجتمع المدني.
وعلى الرغم من أن هذا الحدث يثير حالياً على الصعيد الوطني نقاشا سياسيا شديد التباين في المواقف، فإني أسمح لنفسي، بشكل يتجاوز أي اعتبارات سياسية، بالتطوع من أجل تقديم مساعدة فنية متواضعة لخدمة المصلحة العليا لبلادي.
وفي هذا السياق، أعتقد أنه للتعامل بشكل أفضل مع هذه المسألة الحساسة بالمستوى المطلوب من التبصر والنجاعة، يجب على موريتانيا الرسمية العمل على صعيدين مختلفين، حتى لو كانا مترابطين بشكل وثيق هما المجال الاجتماعي-الاقتصادي والحقل السياسي.
لذا، تتطلب مقاربة التصدي للرد على القرار الأمريكي القيام، بدون إبطاء، بسلسلة من الـ 12 خطوة التالية :
1. القيام بدراسة دقيقة وشاملة للوثيقة المتضمنة للقرار الأمريكي، التي أحيلت مؤخراً إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون من خلال السفارة الأمريكية في انواكشوط ؛
2. تحليل الأسباب المختلفة التي سيقت في الوثيقة كمبررات لاتخاذ القرار مثل (العمل الجبري، عدم حماية حقوق العمال، العبودية الوراثية ، الحد من قدرة المجتمع المدني، إلخ.)؛
3. العمل على صياغة الشروط المرجعية بغية إرسالها إلى الوزارات المختلفة المعنية (مثل العدل، التجارة، العمل، الخ.) ، من أجل جمع البيانات ومركزتها، لكي يتم التمكن من تحرير رد مركز ومقنع على الدعاوى التي استند إليها القرار الأمريكي؛
4. يجب صياغة الشروط المرجعية لجمع المعلومات لدى كل وزارة معنية، بشكل يتضمن خمسة أنواع من البيانات الأساسية : (أ) النصوص القانونية، (ب) أحكام المحاكم، ومحاضر السلطات العمومية المختصة، (ج) الإحصاءات والأرقام، (د) بيانات وتقارير المجتمع المدني (المنظمات غير الحكومية المتخصصة، والنقابات، والاتحادات العمالية، إلخ.) و (هـ) البيانات السمعية البصرية ذات الصلة (الشهادات، التقارير، والمقالات الصحفية، إلخ.)؛
5. يتم استعراض وتقييم الردود التي أرسلها كل قطاع معني من طرف لجنة مشتركة بين الوزارات برئاسة وزارة الشؤون الخارجية، من أجل صياغة الرد النهائي بطريقة واضحة، موجزة ودقيقة ومقتنعة؛
6. يجب أن تتضمن وثيقة الرد على القرار الأمريكي ثلاثة أجزاء رئيسية (أ) المتن الذي يجب أن يبين وصفا دقيقا للوضعية القائمة من خلال منهجية بسيطة (مثلا : الأطروحة، ونقيض الأطروحة، والأطروحة التركيبية، إلخ.) ، (ب) عرض الأنشطة المستقبلية المخطط لها في هذا المجال، و ( ج) المرفقات (المحاضر، والتقارير والأحكام القضائية والشهادات المسجلة عبر الفيديو، والمقالات الصحفية، إلخ.؛
7. ترجمة وثيقة الرد ومرفقاتها إلى اللغة الإنجليزية بأسلوب راق وجذاب بعيدا عن اللغة المتخشبة؛
8. إرسال وثيقة الرد إلى وزارة الخارجية الأمريكية عبر السفارة الأمريكية في نواكشوط ومن خلال سفارتنا في واشنطن.
9. القيام بالترتيبات اللازمة لإجراء حملة دبلوماسية وبرنامج أنشطة علاقات عامة داخل الولايات المتحدة الأمريكية. وأخذ مواعيد في واشنطن ونيويورك، من أجل تسويق الرد الموريتاني وشرح مسوغاته على مستوى السلطة التنفيذية الأمريكية (البيت الأبيض، وزارة الخارجية، الإدارات والوكالات الحكومية الأخرى)، وعلى مستوى الكونغرس خاصة بعد حصول التوازن بين الديمقراطيين والجمهوريين بعد الانتخابات الأخيرة. والقيام كذلك بالاتصال بمنظمات المجتمع المدني وبالأوساط الصحفية الأمريكية من أجل شرح الموقف الموريتاني.
10. دعوة أعضاء مختارين من الكونغرس الأمريكي والمجتمع المدني والصحافة الأمريكية لزيارة موريتانيا لرؤية الواقع على الأرض والاستماع إلى كل الأطراف دون وضع أي عقبات أمامهم؛
11. الشروع في تنفيذ مخطط رئيسي للتواصل يركز أساسا على مجال حقوق الإنسان كجزء من سياسة حقيقية على الحكومة أن تنتهجها في هذا المجال، بغية الخروج نهائيا من منطق السياسات الواجهاتية، والابتعاد عن التناقض التبريري في الخطاب الرسمي حول حقوق الإنسان؛
12. اتخاذ قرارات حاسمة لتغيير المنظور في مجال رسم وتنفيذ السياسات العمومية والقيام بإصلاحات حقيقية على مستوى الشكل والمضمون، يكون من شأنها أن تضع من الآن فصاعداً معطى خدمة المواطن، وتطلعاته للتنمية المستدامة، ومصالحه المشروعة كنقطة مرجعية لأي عمل عمومي مستقبلي.
عندما يتعلق الأمر بفن تدبير السياسة الخارجية وتسيير العلاقات مع الأمم والشعوب المختلفة في هذا العالم المعولم، يكون المجال محدودا أمام الهواية والإرتجال. فالأمة التي لا تحسن جيدا المناورة، تتم السيطرة عليها فورا من طرف مناور آخر أذكى. ويبقى الأمل المعقول الوحيد هو أن تميل العقلانية السياسية أكثر نحو التوفيق بين الخصوم بدلاً من تفاقم الخصومات.
تعليق واحد