معذرة أيها الزائر “نفمبر” / أحمد فال سيد احمد
عذرا عزيزي نوفمبر..
ها أنت تعود يا نوفمبر مجددا، مكررا نفس الزيارة التي بدأتها لي منذ 58 عاما.. وستتواصل إلى أن يشاء الله. ..
عذرا يا عزيزي.. لقد بت أخجل من لقائك، فقد تكررت إطلالاتك علي وأنا في نفس المكان، وعلى نفس الهيئة.. لن تلحظ فرقا كبيرا بين زيارتك هذه، وتلك التي مرت عليها عشر سنوات .. أنا كما أنا.. أراوح مكاني، لا أتقدم خطوة إلا لأرجع باثنتين إلى الوراء.. هل تصدق أنني حتى الآن، ورغم مرور 58 عاما على نشأتي، ما زلت عاجزة عن إيجاد تعريف جامع مانع لشهادة الميلاد التي حصلت عليها في الهزيع الأخير من أيامك، ولا أعرف حتى الطريقة التي خرجت بها إلى الوجود ، وهل كان ذلك بولادة “طبيعية” أم “عملية قيصرية”؟.. أعلم أنه قد لا يكون عندك وقت للتفكير في هذه “السفسطة” التي تشغل بالي منذ عدة سنوات، وأعلم أنني قد أثقلت عليك بذكرها، فأنت ضيف خفيف الظل تحل قليلا بداري ثم ترتحل، لكنك لا ترتحل حتى تدوس على جراحي العصية على الالتئام، وأنت حتما لا تتعمد ذلك، لكن حساسيتي المفرطة تجاه هويتي تجعلني أتقلب على صفيح ساخن كلما “جاء تشرين”، وظهرت علامات قدومك أيها “الغالي”.. الغالي، رغم كل شيء.
أعرف أنك مررت في طريقك إلينا بعدة “بنات” لك في هذا العالم، ورأيت كيف يتطورن كل سنة، ويستقبلنك بثياب غير التي رأيت عليهن السنة التي قبلها ووجوه نضرة، لذلك سامحني يا عزيزي واغفر لي الأذى الذي تسببه لك رؤيتي على هذه الحال، فأنا أقدر مشاعرك وأحترمها، رغم أنني خيبت أملك، وأصبتك بالغثيان أكثر من مرة، عن غير قصد طبعا..
لا تكتم عني شيئا فأنا عليمة بأسرارك ، وأعلم أنه لو كان بإمكانك تغيير مسار رحلتك لجعلتها تمر على بعد عشر سنوات ضوئية مني، ولعلك تفكر الآن وتقول، لماذا اختاروني لأكون شاهدا على “ميلادك”؟ لماذا لم يختاروا ديسمبر أو أكتوبر أو شباط؟ .. لقد أخبروني بأنك قلت لهم ذات مرة إنني لن أكون مثل بقية شقيقاتي، وإنك تتوقع لي مستقبلا باهرا، لكنك لم تنشب أن خذلتك الأيام، وأرتك مني ما تكره. … لقد ألهتني الحروب الداخلية، بيني وبين نفسي، وشغلني تحليل الماضي ونقاشه عن النظر إلى الحاضر والتطلع إلى المستقبل، حتى نسيت نفسي وتقاسمني “اللصوص” بينهم..
هل تذكر يا عزيزي نوفمبر تلك الصحراء القاحلة التي ألقيتني فيها وذهبت؟ إنها غنية بالحديد والذهب وكل أنواع المعادن، لكنني لم أستفد منها إلا الأمراض والفقر. .. وحتى البحر الذي كنت أخشاه في البداية ظهر لي أنه صديق يوثق به، لكن كائنات غريبة هاجمته منذ سنوات جعلتني أستوحش منه ولا أقربه، حتى ميتته التي هي حل لنا لم أعد أنال منها ما يسد رمقي. ..
عزيزي.. أنا لا ألومك على شيء، فأنت لا ذنب لك، إنما أريدك فقط أن تدرك أنني قد لا أحتفي بك كما ينبغي، ليس تقليلا من شأنك، بل خجلا منك فقط.. خجلا من أن ترى العالم يتغير من حولي ويتطور، وأنا ما زلت عاجزة عن الحصول على “كهرباء” دائمة وماء، لا يجلب على الحمير كما كان يفعل سكان القرون الوسطى. . عاجزة عن توفير “سكانير” لتحديد عمق “دمغة” في رأس طفل… ما زلت “أسقط مارو والسكر” وأعتبر ذلك إنجازا تاريخيا لا مثيل له… ما زلت يا عزيزي أنظر حولي فلا أرى أحدا ، ثم أجري في البيداء وأقول : “لله در أبي، ما أسرعني”، والحقيقة أن الجميع سبقوني بسنوات ضوئية…. ما زلت كما تركتني. .. لم أتغير، ولا أظنني أفعل، حتى المشروعات التي أستقبلك ب “تدشينها” كل عام ، هي مشروعات وهمية لا وجود لها إلا في خيالي أنا .. لكنني مع ذلك أحبك يا عزيزي نوفمبر .
سامحني فأنا مضطرة لإنهاء هذه الرسالة بسبب رداءة خدمات “موريتل “، وإن سألتني من “موريتل ” هذه فسأقول لك إنها سوط يلهب ظهري،، تماما كما تفعل “تازيازت ” و”أم سي أم” والصين، و”العسكر” و”زي أفلام”، ومراد علمدار”..
أراك بخير عزيزي، وأرجو أن تجيء في المرة المقبلة وأنا أحسن حالا مني الآن. .
المخلصة لك… موريتانيا.
108 تعليقات