آراءموضوعات رئيسية
صباح الجمهورية: صورتان!/ محمد محفوظ أحمد
أمس احتفلنا بعيد استقلال بلادنا الـ58، وسمعنا خطاب فخامة الرئيس وما جاء فيه من الخير العميم، وما “التقطه” مايكرفونا التلفزة والإذاعة من شكر وتعظيم المنجزات والحقوق والمساواة والعناية بالفقراء (بالمناسبة: من هو رئيسهم الآن؟!)
أطلب من الأصدقاء الراكبين والراجلين، المستيقظين بالأسحار، أن يباكروا يومَ عمل ودراسة بزيارة أحياء وسط “تفرغ زينة”؛ فينظروا الطرق الجميلة الواسعة المرصوفة والمضاءة، التي تتعاون الإشارات الضوئية و”أمن الطرق” على تنظيم مرورها:
• ليروا كيف يحمل الآباء والسائقون، في سيارات جميلة شبه فارغة، أطفالهم إلى مدارسهم الخصوصية؛ متدثرين بالقمصان الدافئة، يحملون حقائبهم الجديدة، وأزوادهم من طيبات الكعك و”الكرواسان” والعصائر. أدام الله علينا وعليهم نعمه… = وأطلب من الأصدقاء أن يغدوا في يوم العمل الموالي إلى النواحي الثلاث الأخرى من انواكشوط (من السبخة إلى دار النعيم، مرورا ببيكات وعرفات و”التراحيل”): • ليروا الصغار يسيرون حفاةً، وحيدين، يحملون دفاتر قليلة مهترئة في أيديهم، يسلكون أزقة الحواري الرملية، إلى مدارسهم العمومية البائسة؛ والمحظوظ منهم من بيده قطعة من رغيف البارحة، ويغطي معظم جسمه بثوب من “افك جاي” الجيد!
وغير بعيد على الشوارع “الرئيسية” القليلة هناك: سيرون كيف يتلاحق أطفال آخرون، بعد مشي طويل أو قصير، ليزاحموا العمال والمرضى على وسائل النقل، المصنفة وغير المصنفة… وبردُ الصباح يخترق ثيابهم المتواضعة؛ وقد أنساهم البحث عن نصف مقعد يُضغَطون فيه إلى مدارسهم العمومية، صريرَ أمعائهم الخاوية، وجفافَ حلوقهم الظماء، وإن تذكروها تذكروا ما بأيديهم؛ فإما أن يركبوا وإما أن يفطروا!!
وعلى تلك الطرق “المعبدة” الضيقة المتردمة بين الحفر القذرة تتسابق أصناف متنافرة من السيارات والمركبات المتهالكة، تزدحم وتتقاتل و”تتحابس”… عند تقاطعات تلك الطرق الأثرية، بين مزالق أوصال وأخاديد أطلالها، وأكوام القمامة، وجحافل المارة، وحصار “طوابل” الباعة، وعرقلة المركبات المتعطلة… في رحلة البؤس المدفوعة الثمن ثلاثَ مراحل على الأقل…
هنالك لا ترى من إشارات المرور ولا من أمن الطرق إلا أفرادا يجمعون إتاوات الـ200، ويسهمون بطلبها الحازم، في عرقلة حركة المرور الفوضوية…
هاتان صورتان يوميتان صارختان لنفس المدينة ونفس الجمهورية، ونفس النمو المتسارع والرفاه “المشترك”…! الجميع فيهما حاضر من كل لون، دون تفرقة ولا تمييز… لأن البؤس صار أعدل من الجميع!!
اكتب رسالة…
95 تعليقات