سيدي الرئيس هؤلاء هم أعداؤك/ البكاي ولد عبد المالك
عبارة “المأمورية الثالثة” مصطلح متناقض من الناحية القانونية والسياسية فرض نفسه في لغة التداول وأصبح الجميع يستخدمونه دون وعي منهم بخطورة استعماله وما يتضمنه من خرق للقانون فلا وجود لشيء يقابله لا في التشريعات ولا في الواقع. ومن ناحية الاستعمال العادي فإن الصواب هو استعمال عبارات مثل “الانقلاب على الدستور” “التمرد على الشرعية الدستورية” أو “الحكم الانقلابي” أو “الحكم الاستثنائي” أو”حالة الطوارئ” أو أية عبارة أخرى يتضمن معناها العدول عن أحكام الدستور الصحيحة الصريحة غير القابلة للتأويل.
إن استعمال تلك العبارة لا يعني فقط استعمالنا لاسم بدون مسمى أو لتعبير لا يوجد ما يقابله في الواقع بل هو أكثر من ذلك انتهاك لحرمة الدستور الذي هو “أم القوانين”، وأما التخطيط لفرضها واقعا على الأرض فهو ما يسمى في القانون بـ “الجريمة الكاملة” التي تستدعى جزاء من جنسها.
أنا أتشرف بانتمائي إلى وطن جامع لا أقبل التمييز بين جهاته ومكوناته ولا أقبل منطق تعميم التخوين على جهة معينة منه لمجرد خطأ ارتكبته قلة منها وقد تقع فيه كثرة من جهات أخرى ولو بعد حين.
سيدي الرئيس تعرفون أنني منذ خرجت من الحكومة منذ أربع سنوات تقريبا لم أطلب في أي وقت اللقاء بكم كما يفعل ذلك الوزراء وكبار الموظفين الحريصين على تجديد “الولاء” لكم في كل مرة يتم فيها عزلهم لكنهم في الحقيقة إنما يجددون لكم رغبتهم في التوزير والتكليف للحيلولة دون خطر التلاشي والاندثار
أنتم تعرفون أنني “ما سرقت قمحا ولا قتلت نملة” فلم ارتكب جرما للاعتذار لكم عنه ولست مدفوعا بهوس التوزير والتوظيف للتهافت على بابكم لهذا لم أجد سببا حتى الآن لطلب اللقاء بكم.
ومع ذلك فإن العهد الذي بيني وبينكم لم يتغير على الأقل بالنسبة إلي أنا فلم أكشف لكم سرا شخصيا ولا سرا من أسرار الدولة ولن يحدث ذلك أبدا ما دمت حيا من منطلق مسؤوليتي الدينية والأخلاقية والمهنية.
لم ينقطع العهد الذي قطعته على نفسي بدعمكم حتى يكون ذلك سببا للرغبة في تجديده رغم أن الواجب الوطني يتطلب مني في كل مرة يكون هناك سبب وجيه بالتدخل التجرأ عليكم وعلى من يمثلكم بالتوجيه والتصحيح والإشارة والتلميح دون قصد للإساءة والتجريح ومع ذلك لم تسلم الجرة في كل مرة فقد نلت من النباح والصياح مقدار ما نلتموه مني من الإيضاح والإفصاح فلم يتغير لي طبع ولا لانَ لي عزم فلا أروم العزة إلا ممن له العزة جميعا.
سيدي الرئيس سأكون على استعداد كامل للخروج والدفاع عنكم في حال التزامكم بمقتضيات الدستور لأنني في الواقع إنما أدافع عن وطني وعن تجربته الديمقراطية المتذبذبة الهشة وعن السلم الأهلي وهذا من صميم مسؤولياتي كمثقف وسأكون أنا وأمثالي من النخبة المثقفة المسؤولة الصخرة التي تتحطم عليها نوايا كل من يريد النيل منكم ومما أنجزتموه رغم الأخطاء الطبيعية والمألوفة في سياق كهذا.
سيدي الرئيس أنا في غنى عن تذكيركم بهشاشة الوضع الأمني الداخلي وبطبيعة التفاهمات الداخلية والتزاماتكم السابقة تجاه الشعب وتجاه زملائكم في النظام وخطورة ما يمكن أن ينجر عن الحيد عن تلك الالتزامات لكم ولوطنكم.
سيدي الرئيس لقد أعلنتم في خطوة شجاعة عن نيتكم احترام الدستور رغم الضغوط الكبيرة التي تتعرضون لها من أوساط اجتماعية و”سياسية” “مقربة” وما هي بالسياسية ولا بالمقربة لأن السياسي هو من يمتلك القدرة على القراءة الصحيحة للواقع وقد أخطأوا، وما هي بالمقربة لأن القريب من قربت مودته وليست هذه مودة هذه مهلكة لأنهم يدفعونكم إلى ارتكاب خطأ فادح أنتم في غنى عنه لأنكم على موعد مع التاريخ إذ سيكون احترامكم لوعدكم للشعب ولزملائكم في النظام حال تحققه حدثا تاريخيا لا نظير له وستكون المرة الأولى التي يتخلى فيها رئيس عربي طوعا عن السلطة وليس هذا تعريضا بمن يقال بأنهم سبقوك لها مثل الرئيس السوداني الأسبق عبد الرحمن سوار الذهب أو ابن عمك الرئيس علي ولد محمد فال رحمة الله عليه فالجميع وخاصة النخبة السياسية تعرف الظروف التي اكتنفت القرار الذي اتخذه آنذاك وكانت لكم اليد الطولى فيه دون أن يعترف لكم أحد بالفضل في ذلك.
الآن وبغض النظر عن الظروف الداخلية أو الخارجية،الشخصية والعامة التي قد تدفعكم إلى السير في هذا الاتجاه أو ذاك ..كونوا على علم بأنكم على موعد مع التاريخ فسيروا أو لا تسيروا..هذه هي المسألة.
أستاذ الفلسفة السياسية المشارك – وزير آبق
87 تعليقات