جوهر وخطر العنصرية الألكترونية / الوكالة الموريتانية للانباء ( رسمية)
كل هذا من عمل شِرْذِمة من الأشخاص مرضى يعانون من الاضطراب والانحراف الفكري والانغماس في التطرف والشعوبية تدعمها نظرة ضيقة وأنانية رخيصة، مورد ظل بعض السياسيين ذوي النظرة القاصرة يستقون منه هرَباً وتغطية على فشلهم الشخصي.
وهذا العُقم الفكري يُترجِم في الحقيقة ضعفَ أصحابه ومحاولتهم إلباسَه بثوب الجُرأة وإخفاء ما ينطوي عليه ذلك من خسة وسوء نية.
وهذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها في حياتنا اليومية، فهي ليست سوى انحراف عرفته مجتمعات أخرى وهناك أمثلة عديدة على ذلك منها التدوينات العنصرية التي نشرت ضد مقدمة للنشرة الجوية في إحدى القنوات الأجنبية وكذلك ما جرى مؤخرا في ملعب إيطالي من أعمال عنف عنصرية من طرف المشجعين.
فالمجموعات الموريتانية، ورغم تقلبات التاريخ ورغم العيوب وبعض مَسْلكيات المجتمعات التقليدية، رغم كل هذا استطاعت أن تعيش معاً عبر القرون في انسجام كامل يتقاسمون نفس القيم والعلاقات الثقافية المشتركة بفضل انتمائهم جميعا للدين الإسلامي وتسامحهم واحترام بعضهم لبعض في اختيار طريقة العيش مُنفرِدا أو في مجموعاتٍ.
ومع تراجع البعض وازدراء المتطرفين والداعين للفوضى اختارت المجموعات الموريتانية الانفتاح والتعاضد والحب المتبادل مستفيدة من مجتمع متنوع الثقافات وعلاقات متجذرة على مر العصور يدعَمها الانسجام والتداخل الاجتماعي والثقافي وقوة اللُّحمة؛ مما أكسبها المناعة الكافية ضد التوترات التي عصَفت بمجتمعات أخرى مازالت تدفع ثمنها حتى اليوم.
فالمجموعات الموريتانية تنتمي لوطن واحد، وتنتمي لدين واحد وذاكرة واحدة، ولها نفس الواجبات والحقوق المشتركة ونفس المصير ونفس التطلعات.
صحيحٌ أن مجتمعنا عرف في الماضي ظاهرة العبودية فهذه حقيقة تاريخية لا مراء فيها، ولكنها حدثت في مجتمعات أخرى في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا وفي كل أنحاء العالم.
صحيحٌ أيضا أن عددا من مُواطِنينا عاشوا زمناً طويلاً في الفقر وانعدام الأمن والجهل كما كانوا ضحايا التهميش الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
وهذه الوضعية عاشتها أيضا مُجتمعاتٌ أخرى غيرنا وفي ظروف مختلفة، وهذا لم يمنع البلدان التي عاشت هذه الممارسات البغيضة وسيئة السمعة من محاربة ظاهرة الرق وتخَطيها والتحرر بفضل الهَبَّات الوطنية في أجواء يسودها النقاء والتمسك بالقيم والمبادئ الإنسانية.
وإذا كانت بقايا ومخلفات هذا الرق ما تزال موجودة في بلادنا حتى الآن، فمن المؤكد أن جهوداً كبيرة بُذلت وتُبذل للقضاء عليها، وبما أن الرجوع لهذه الجهود بالتفصيل يكون مُمِلا فلا بأس أن نذكر نماذج منها على سبيل المثال لا الحصر، ومن أهمها إصدار قانون يُجرم العبودية إضافة إلى العديد من الإصلاحات الدستورية والقضائية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لدعم ترسيخ هذا التوجه، كما تم في هذا الصدد إنشاءُ مَحاكمَ خاصة مكلفة بالملفات المتعلقة بالرق ومعالجتها والتحقيق في الملفات المرتبطة بهذا الموضوع وإنشاء وكالة “التضامن” التي تُركز أنشطتها على مناطق جيوب الفقر لضمان تحرر سكان هذه المناطق اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
إن النزاهة الفكرية وروح المسؤولية والشعور بالانتماء للوطن تفرِضُ على كل فاعل سياسي، مهما كان انتماؤه أوتوجهه أوقناعته، أن يقفَ في وجه تُجار ومُرَوجي الكراهية والعنف الساعين لتجريد مجتمعنا من قيمه.
فعلينا جميعا في الأغلبية أوالمعارضة أومستقلين أن نعمل على ترسيخ التضامن، وأن نعملَ معاً من أجل ترسيخ المواطنة وتعميق الانتماء لهذا الوطن، وأن نزرع بيننا الاحترام والتسامح؛ فالمجتمعات تبنى وتتعززبقيمها، إنه السِّجل الموحد الذي يجب على كل الأحزاب والأفراد وقادة الرأي بمختلف مشاربهم أن يُسَجلوا فيه ويُعنوْا بالحفاظ عليه.
إن الذين يريدون تقويض الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي وتعريض البلاد للخطر هم لا شك أصحاب مشروع هدام على المواطنين بمختلف انتماءاتهم واجبُ مُحاربتهم.
إن أي سكوت أو تجاهل للهستيريا العُنصرية التي نشهدها اليوم يعتبر تواطُؤاً وخيانة.
إن الأزمات والنزاعات والحروب التي تجري في العديد من بلدان العالم كلها نتيجة لسخط وتراجع الانتماء، والمساس بالانسجام المجتمعي، والأمثلة كثيرة.
إذاً، علينا أن نأخذ الحيطة للوقاية من الأعاصير الاجتماعية التي أشعلت أُمَما وزجَّت بها في أتون حروب أهلية.
واليومَ علينا جميعا أن نُسهمَ بفعالية في هذه الهَبة الوطنية التي نحن في حاجة إليها؛ من أجل القضاء على هذا السوء القاتل الذي يُروَجُ له في المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي من طرف مجموعة من الأشخاص بهدف بث الفوضى والتفرقة.
حماده محمد صالح
تعليق واحد