الافراط في الحديث عن الذات/ بقلم ذاكو وينهو
تتميز بعض المجتمعات بثقافة الصمت وتحاشي الحديث عن الذات….كان الرجل منا يقول (هذه الخيمة بدل اسم أسرته) ويقول هذا المسمى بدل التلفظ باسم قبيلته حياء وابتعادا عن العجب والفخر..
بينما يتميز البعض بالإفراط في الحديث عن النفس بشكل مناف للأعراف التقليدية والمستقاة من الابتعاد عن كل ما تلمس فيه تزكية للنفس….خصوصا في أيام الناس هذه .
فقد امتلأت الساحة الوطنية بالجمعيات والزوايا التي تتحدث عن إرث قبائل أو أسر أو حتى أشخاص….لسنا ضد إحياء المندرس من التراث الوطني بل هو في شرعنا أمر مرغوب ومطلوب….لكنه يتحول في بعض الأحيان إلى أعمال إقصائية وإرهاق للمسامع بجعجعة بلا طحن….
نتج ذلك من عدوى الموجات الهائلة التي اجتاحت البلاد في العقدين الماضيين من الجمعيات الخيرية الوهمية والتعاونيات النسوية المختلقة استدرارا لهبات الممولين ..وتلا ذلك اتسونامي الأحزاب السياسية والتي أجهل الان عددها وأسماءها…وكارثة الهواتف العمومية حين نعمت البلاد بتقنية الاتصالات في العشرية الاولى من هذا القرن ….ثم طوفان المواقع الالكترونية والمدونات….تلك طبيعتنا اذا افتتحت مدجنة فتح جارك مدجنة لصيقة بها…واذا أقمت مشروعا لبيع لبن الابل فاجأك في الليلة الموالية بحدبار لو رآها الرائي لقال لقد كان في ضرع هذه مرة لبن ثم بلافتة عليها هنا مشروع بيع لبن الإبل…إلى آخره…..
بعد هذا الاستطراد الطويل الذي يضل فيه الفاعل عن المفعول وتستخبر فيه “إن” عن خبرها وقد حالت بينهما جمل وفقرات ، سيشير أصبعي إلي لأني سأتحدث عن شخصية محلية معروفة على الساحة الوطنية بعطائها الثقافي والأدبي وبمشاركتها – رغم تواضع الوسائل وانعدام الظهير- في المنابر الكبرى شاعرة وناقدة وخبيرة اجتماعية وكاتبة…
لها مؤلفات عدة وكتابات متنوعة تميزت بالموضوعية ووضوح الرؤية تدعم ذلك كله لغة عربية أصيلة ورصينة خالية من عبارت مثل (هكذا قضية) التي دخلت لغتنا عن طريق ميديا 1 وبرنامج الاتجاه المعاكس لفيصل القاسم… يأخذ أسلوبها بتلابيب القارئ لا بقبضة المعنف بل بلعاب شهية غزير يعب به النصوص عب النهم الجوعان حتى نقطة النهاية فيتحسر لأن في نفسه توقا إلى المزيد…
حواء بنت ميلود بدع من نساء الحي…لم تقبل أن تستسلم كباقي النساء حين يكملن رحلة قد لا تطول في عوالم المعرفة لتعود الواحدة منهن بمستوى ثقافي وبمهنة قد تكون كافية لما تطمح إليه المرأة التقليدية…لكنها تقول وداعا لزادها الثقافي وبدل أن تؤثر في زميلاتها اللائي لم ينعمن بالدراسة يؤثرن فيها وتصبح أحاديثهن إذا خلون بأنفسهن أحاديث رخيصة عن الزينة والجنس والزيجات…
أبت أختنا حواء أن يتوقف دربها هنا بل واصلت طموحها واستجابت لرغبتها في التموقع المشرف بين الكبار غير كاشفة عن ساق ولا حاسرة عن رأس….
هكذا تسجل حضورا لافتا ودائما في الأماسي الشعرية والندوات الأدبية والبرامج الثقافية عبر شتى الوسائل مسموعة ومقروءة ومرئية…
وهكذا سجلت نفسها بمجهودها الشخصي وبأمضى سلاح في معركة الثقافة والوجود أعني قلمها وأخلاقها وعلاقاتها المحترمة مع عمالقة فن الكلمة وفرسان الفكر المتبصر….
هي نجمة مشرقة يأبى ضوؤها الانحسار رغم التلوث البيئي والضباب السميك الذي يحاول حجب أشعة الشمس…شجاعة تتربع بأمان في مكانة مشرفة في ساحة تمور بالمتناقضات يجد المرء نفسه فيها جالسا بين أسنان تمساح شرس…هي الآن متوارية …لست أدري هل طال عناقها مع إحدى غيمات الفضاء الأزرق ، فحكت لها قصة المراقب الذي كان يستعجل قدومها وصديقاتها الى إحدى قاعات المدرسة 1 للمشاركة في مسابقة دخول الإعدادية ..كان يصيح “اجرو جايات …مهردكم املانات من انشه”…