صورة الرئيس معاويَّة ..ابحثوا عن ملهاة أخرى .. مرشح للرئاسة مثلا!/ الدهماء
صُدمتُ سابقًا في صُورتين، صورة المرحوم المختار ولد دادّاه في المطار، حين عوْدته من رحلة المنفى، كانت ملامح الرجل مُناقضة تماما لما هو مطبوع في ذاكرتي عنه من خلال الصُّور المُتداولة،.. ثم صورة الزَّعيم “ماندلا” بعد تسريحه من السّجن،.. لم تكن لها علاقة بالبطل الذي كنَّا نهتف باسمه، لا في الشكل ولا في اللون.. هو توقيع الأيام.
غادرنا الرئيس معاوية في مُهمَّته الأخيرة متأبطا 64 سنة، وتَجمَّد عمره في ذاكرتنا الجمعية عند هذا السَّقف الزمني، ارتدتْ عنهُ الأبصار، في حين تابعتْ السِّنين سيْرها معه، لتوصله بعد 14 سنة من الغياب إلى عمره اليوم، 78 سنة!،.. هذا العمر الثَّمانيني يُرجى لصاحبه الجلال لا الجمال، ….
الرئيس معاوية رجل كتوم بطبعه، صامت،.. عمل مُرافقًا عسكريًّا للمغفور له المختار ولد داداه، وشارك في انقلاب عليه بإرادته، وخطَّط وانقلب على رئيسه محمد خونه ولد هيداله وحل محلَّه، تعرَّض لأكثر من محاولة انقلابية، فشلت كلها، وحين أزفت ساعته نجحت المحاولة الأخيرة،.. لم يَستكثر على غيره نفس الفعل الذي أوصله للسُّلطة، ولم يقاوم إلا في حدود المناورة المعتادة لاسترجاع الحكم،… وهذا ما تقتضيه عادة أحكام اللعبة-السلطة.
آثر الرئيس الأسبق الانسحاب من الحياة العامة، لم يصلنا من أخباره سوى: ردّه هاتفيا على وسيلة اعلام غربيَّة بعدم رغبته في المقابلات و التعاطي العام،.. ثم زيارة أدَّاها لبعثة الحالة المدنيَّة التي التقتْهُ في السّفارة، واحترمت خصوصيته،.. وصُوَّر قليلة غير واضحة بين الفينة والأخرى في مناسبات عامة في قطر.
من المؤكد أن الرئيس – شديد التَّمدن واللباقة- لن يبخل على مواطنته بلقطة مُجاملة ،.. لكن، كان من الحصافة أن تُدرك المُواطنة، أنَّ الرَّجل الذي انزوى عن الأضواء، ائتمنها أخلاقيًّا على اللقطة،.. فآخر ما يرغبُ فيه نشر صورةٍ له وهو يتعالج في عيادة، ويُحْتَمل أنه يكابر بكبريَّاء أمامها، كما قد يفعل أيّ مِنَّا،… آخر ما يتصوَّره تعريضه لحجارة أو وُرُود الفضاءات العامَّة، شماتة أو شفقة، وتحويله لمادَّة للموعظة..
الرؤساء يشتغلون عادة على صوَّرهم، ويهمّهم جدًّا صناعتها وإخراجها حتى ولو تقاعدوا…ولو قرَّر الخروج عن احتجابه كان سيستعين حتمًا بمصوّر مُحترف يشتغل على طلته العامة الأولى، .. لن يرتاح لصورة تُشابه ملامحه الصَّباحية وهو يغادر سريره في اتجاه حمَّامه، ومن هاتف هاويَّة مُستعجلة، بإنارة مصباح “نيون” باهت… ليست هذه خطوة وفاء،… هي فعلٌ بدويٌّ خالصٌ، أو شيء آخر؟!
إن كانت المعنية نَشرتْ الصّورة جَرْيًا وراء هيستيريا التَّصوير وعن براءة، يُصَنَّفُ تصرّفها في خانة المراهقة المتأخرة، وإن كانت نشرتها عن عمْدٍ، تكون انتهكت خصوصيَّة رجل لم يعُدْ شخصية رسمية عامَّة،.. إن كانت استأذنَتْهُ وأذِنَ، نَلْتَمسُ لها أحسن المخارج .. أمَّا إذا كانت زوجة “الشنقيطي”، أو قريبته، فجَّرت الصّورة للتوظيف السياسي فذلك خسّة ودناءة وتردِّي.. وإن كانت احرجت واقتنصتْ الرَّجل الثمانيني في “اسْكُوبْ” لإشباع الغريزة الإعلامية، فذلك يضعها في فئة جوارح “البابارازي” التي لا تُشرِّف.. على أية حالٍ، الأبيات الشعرية المُرفقة، خيْبة قتلتْ براءة الصُّورة.
نتمنى من قلوبنا للرئيس معاوية العودة إلى وطنه، إلى نخيله ووديانه، وهوائه الجاف،.. وهو شديد الحساسيَّة للرُّطوبة،.. لا أظنُّ أن موريتانيا الرَّسميَّة لها مَصلحة تتعارض مع ذلك، فهي تَعِي وكذلك الرَّجل، أنَّهُ لم يعد يزعج سياسيا، وخارج حلقة المنافسة،.. كما يُدرك أن أهل هذه الأرض ” ما يَتِلْبُ لِقْرُوزْ”،.. فخبير التخطيط الاستراتيجي المتمرِّس، يعلم أنَّ الحُكْمَ وانْ تأنَّق ببَدْلاتٍ رماديٍّة مُعَطَّرة، مُعَلقٌّ على زنانير تعلوها النَّياشين.. و يُدرك الرجل الخبير بنا، أننا نمتلك مخزونًا فلكيًّا من التَّزلف والتَّلون، نال منه نصيبه بعدلٍ وعظمةٍ في وقته ، وعليه أن لا يتعدَّى على حصِّة خُلفائه.
أمَّا موريتانيا الشَّعبية فهي مَيْسرة ومَيْمنة: قسم يراه قائدا محنكا، وأنا منهم، خدم البلاد بطبيعته البشرية التي تخضع لمبدأ الصواب والخطأ، وقسم يراه قاتلا مُصنَّفا، ويتربص الانقضاض على مجرد ذكره… هل سترحُّب بمَقْدَمه التَّظاهرات المُسْرجة على كراهيَّته في 28 من نوفمبر من كلِّ سنة، و ظهيرها من أحزاب ونوَّاب يُجدّدون ويُردِّدون وراءهم نفس الأهازيج في البرلمان، وفي نفس الفترة من كل سنة، والمُطالِبة بعقابه بجرم الإبادة العرقية، بُغية جَبْرِ ضررٍ لا يُراد له أن يُجْبر، قيَّاسًا على ملفات أحداث 66م، 84م و 16 مارس،.. ثم منهم النُّوّاب، من أي حزب هُمْ؟..أيُّ تناقض!..
هل ستُوفِّر له المآقي الدامعة على صورته (لأيَّام فقط)، الضَّمانات الواقيَّة من بُخَّارها السَّاخن الذي يَحجِبُ مُصطلحاتٍ من قبيل: العدالة الانتقالية، الانتقائية، الانتقامية، وبْعْثُ هيئات مُساءلة ومُلاحقة مِزاجيَّة، في صورة “عَدْلٍ” مجذوم النِّية، ميزانه بيدٍ أُمَميَّة أوْ غرْبيَّة مُتربِّصة، تَفتح الأبواب على كلِّ الاحتمالات، تبدأ بجَرْجَرة ولد الطايع إلى حواف، تقتسم فيها الذئاب والثعالب ذات السيادة الخارجية الفرائس… ولن تنتهي بإقحام المؤسسة العسكرية؟… أضُنُّ برئيسي الأسبق على شهوة السّفهاء.. وشفقة الأدعياء!
أولا، الرئيس معاوية ليس في معتقل، هو في منفى فردوسيٍّ، في نفس المدينة التي كان يقيم فيها الأمير الجَدُّ جبريًّا، على إثر نزاع مع ابنه الأمير الأب على السّلطة،..
ثاني،ا من سار بإرادته نحو السلطة -والقاعدة منذُ عادٍ وإرمٍ- يتوقع أكثر من سيناريو لنهايته، ومنها: السجن، الاغتيال، المنفى… وأحسنُ خدمةٍ نقدِّمها لزعيمنا الأسبق أن نتركه في حال سبيله، وأن نحترم مُقتضيات شيخوخته وعواطف محيطه من تُرَّهات فصولنا الشَّائكة، هو أرْشد منكم وأذكى، وكان يَعْلم – بالمناسبة – أنَّ ثغوركم تَسْكب عليه كنوزا من عسل مغشوش، لكنه فنّ التَّغابي الذِّي دَبَغكم به، وانتعَلكم على مقاسه من 84 الى 2005م.
أتمنَّى لرئيسي الأسبق، موفور الصّحة والعافيّة، أَكِنُّ لمعاويّة الانسان، الكثير من التَّقدير والاحترام والعرفان بالجميل عن استحقاق.
حفظه الله وأدام عليه نعمه.
ابحثوا عن ملهاة أخرى … مرشح للرئاسة مثلا!
17 تعليقات